📘عنوان البحث:آليات رقمية العدالة والعدالة الرقمية لتحقيق التنمية المستدامة فى عصر التحول الى الرقمية.
✍المؤلف:د. أمل فوزي أحمد عوض
📖 المجلة:مجلة الضاد الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية
📚 العدد:7
📆 تاريخ النشر:حزيران 2025
📄 الصفحات:38 – 84
🏛 دار النشر:دار البيان العربي
ملخّص الدّراسة
تبحث النظم القضائية والقانونية في مختلف أنحاء العالم عن سُبُل الابتعاد عن الإجراءات التقليدية الكلاسيكية والسّعي إلى تبني التقنيات الرقمية، في إطار ما يعرف بـ “العدالة الرقمية” ويُعدّ هذا التحوّل استجابة لمتطلبات العصر الحديث، حيث تسعى الأنظمة القانونية إلى تقديم خدمات أكثر سرعة، وعدالة، وكفاءة، بما يسهّل وصول الأفراد إلى حقوقهم القانونية؛ وتنبع أهمية هذا الموضوع من الحاجة الملحّة إلى الوقوف عند مفهوم رقمية العدالة؟ وهل من الممكن التحول بالعدالة إلى الرقمية؟ وماهي علاقة العدالة الرقمية بالتنمية المستدامة ؟ وما هي الآليات اللازمة للتحول الآمن بالعدالة إلى الرقمية؟
الكلمات_المفتاحية: آليات– تقنية–عدالة رقمية– تحول رقمي– تنمية مستدامة.
Abstract
Judicial and legal systems across the world are exploring ways to move away from traditional, classical procedures and to adopt digital technologies, within what is known as “digital justice.” This shift represents a response to the demands of the modern era, as legal systems seek to provide services that are faster, fairer, and more efficient, thereby facilitating individuals’ access to their legal rights. The importance of this topic stems from the urgent need to examine the concept of digital justice: Is it possible to transition from traditional justice to a digital system? What is the relationship between digital justice and sustainable development? And what mechanisms are required to ensure a safe and effective transformation of justice into the digital realm?
Keywords: Mechanisms– data– technical Digital Justice– Digital transformation– Digital– sustainable .
مقدمة
تشهد النظم القضائية والقانونية في مختلف دول العالم حراكًا متسارعًا نحو التحديث والتطوير، في ظل التقدّم التكنولوجي الهائل الذي يشهده العصر الحديث. وقد بات من الضروريّ إعادة النظر في الأساليب التقليدية المعتمدة في إدارة العدالة، والتي تتّسم غالبًا بالبطء والتعقيد وكثرة الإجراءات الورقية. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحّة إلى التحول نحو نماذج رقمية أكثر مرونة وكفاءة، وهو ما يُعرف اليوم بمصطلح “العدالة الرقمية”.
تمثل العدالة الرقمية نقلة نوعيّة في الفكر القانوني والقضائي، إذ تعتمد على توظيف التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، ونظم إدارة القضايا الإلكترونية، والمحاكم الافتراضية، من أجل تسريع إجراءات التقاضي، وتبسيط الوصول إلى العدالة، وتحقيق مبدأ الشفافية والإنصاف. ويكمن الهدف الجوهريّ من هذا التحول في الارتقاء بأداء المنظومة القضائية، بما يتماشى مع متطلبات المجتمعات الحديثة وتطلعات الأفراد إلى عدالة ناجزة وشاملة.
من هنا، تطرح العدالة الرقمية العديد من التساؤلات الجوهرية، من قبيل: ما هو المقصود بمفهوم العدالة الرقمية؟ وهل يمكن بالفعل تحقيق تحول شامل من النظم التقليدية إلى نظم رقمية آمنة وفعالة؟ وما العلاقة التي تربط بين العدالة الرقمية وأهداف التنمية المستدامة؟ ثم ما هي الآليات والإجراءات اللازمة لضمان تحوّل آمن وناجح نحو العدالة الرقمية دون الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الأفراد؟
مشكلة الدّراسة:
يكمن الهدف من وراء استخدام الوسائط الرقمية في العملية الإجرائية في تعزيز فعالية الإجراءات القضائية، وهو ما يستدعي التوقّف عند عدد من التساؤلات الجوهرية، من بينها: ما المقصود بـرقمية العدالة؟ وهل من الممكن التحول إلى عدالة رقمية متكاملة؟ وما العلاقة بين العدالة الرقمية والتنمية المستدامة؟ وما الآليات اللآزمة لتحقيق تحول آمن وسليم نحو العدالة الرقمية؟ وسنعرض لهذه المحاور تفصيلاً فيما يأتي.
منهج الدّراسة:
سوف نعتمد في هذه الدراسة على المنهج الوصفي، مستندين إلى طريقتَيه العلمية الاستقرائية والتحليلية. فالمنهج الوصفي يُعدّ من أكثر المناهج شيوعًا في الدراسات القانونية والاجتماعية، إذ يتيح للباحث فهم الظاهرة قيد الدراسة من خلال جمع البيانات والمعلومات المتعلقة بها، وتحليلها بشكل منهجي دقيق. كما يُستخدم المنهج الاستقرائي في تتبّع الجزئيات والتفاصيل المرتبطة بالعدالة الرقمية، بهدف الوصول إلى تعميمات علمية تُسهم في رسم صورة شاملة للواقع. ويُضاف إلى ذلك التحليل النقدي للمفاهيم والتطبيقات، بغية تقييم فعالية التحول الرقمي في المجال القضائي، واستكشاف جوانبه القانونية والتنظيمية.
سوف نستخدم المنهج الوصفي بطريقته العلمية الاستقرائية والتحليلية .
المفاهيم الإجرائية للدّراسة:
- العدالة الرقمية:هي استخدام الوسائط الرقمية في جميع مراحل التقاضي، بدءًا من تقديم الدعوى وصولاً إلى إصدار الأحكام وتنفيذها.
- رقمنة العدالة:تشير إلى التحول التقني والإداري الذي يهدف إلى اعتماد الأدوات والتقنيات الـرقمية لتيسير الوصول إلى العدالة.
- التحول الرقمي:هو عملية دمج التكنولوجيا في مختلف جوانب النظام القضائي بهدف تحسين الكفاءة وتسهيل الإجراءات.
- التنمية المستدامة:هي تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بطريقة متوازنة ومستدامة، وفقًا لأجندة 2030.
الدراسات السابقة:
محليًا، تم الاستناد إلى دراسة أعدّتها وزارة العدل المصرية (2022) حول مشروع العدالة الرقمية في المحاكم الاقتصادية، بالإضافة إلى بحث صادر عن المركز القومي للمعلومات تناول البنية التحتية للتقاضي الإلكتروني.
دوليًا، تم الرجوع إلى دراسة صادرة عن الأمم المتحدة (2021) “Digital Justice Systems: Global Outlook”. فضلاً عن تقرير مجلس أوروبا بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في العدالة (2020).؛ وقد تم تحليل أوجه التشابه والاختلاف بين هذه الدراسات وما يطرحه البحث الحالي، بهدف إبراز إسهامات الباحثة في سد بعض الفجوات البحثية، لا سيما فيما يتعلق بالبيئة التشريعية العربية، التي ما تزال تواجه تحديات في مجال التحوّل الرقمي القضائي.
خطة الدّراسة:
سوف نتناول محاور الدّراسة وفق التّرتيب الآتي:
المبحث الأول: العدالة والتنمية المستدامة.
المبحث الثاني: مقتضيات التحول إلى العدالة الرقمية.
المبحث الثالث: الآليات القانونية لرقمنة الإجراءات.
المبحث الرابع: الآليات التقنية لرقمنة الإجراءات.
المبحث الأول: العدالة والتنمية المستدامة
لا تقلّ أهمية القانون عن الحاجة إلى التنمية المستدامة، إذ تشكّل عملية تجسيد وتفعيل أحكام القانون على أرض الواقع ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. فالتنمية المستدامة بطبيعتها متعددة الأبعاد، وتتطلب لتحقيقها تعاونًا دوليًا وتضافر جهود مختلف الفاعلين على المستويين الداخلي والخارجي. ولا يمكن الوصول إلى هذه الأهداف إلا من خلال آليات قانونية فعّالة، تترجم الأفكار والرؤى والنظريات إلى واقع عملي ملموس، يضمن استدامة التنمية وتحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
تهدف التنمية المستدامة إلى القضاء على كافة أشكال الفقر وتعزيز الرفاهية من خلال تلبية الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات، بما في ذلك التعليم والصحة والحماية الاجتماعية وتوفير فرص العمل، إلى جانب الحفاظ في الوقت نفسه على مواردها الاقتصادية لضمان تلبية احتياجات الأجيال القادمة. وفي ضوء اهتمام الأمم المتحدة بمفهوم التنمية المستدامة، تم وضع أجندة تنموية تتضمن 17 هدفًا و169 غاية لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتي بدأ سريانها رسميًا في يناير 2016، بهدف حشد الجهود للقضاء على الفقر بجميع أشكاله، ومعالجة التغيرات المناخية، وحماية البيئية، وإحداث تغيير إيجابي لكل من البشر وكوكب الأرض.
ولما كان تحقيق هذه الأهداف يتطلب شراكة واسعة تجمع الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمواطنين على حد سواء، فإنه يتعين أن يكون التشريع ركيزة أساسية لتعزيز هذه الشراكة، وأن يكون منسجمًا مع الظروف الاجتماعية لكل مجتمع، وملبيًا لحاجاته وتطلعاته المستقبلية. وذلك من أجل خلق بيئة اقتصادية كلية مستقرة، وضمان إنفاذ القانون، والحفاظ على حقوق الإنسان بما في ذلك الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، حتى لا تأتي التنمية على حساب تلك الحقوق.
أظهرت الدراسات أن البلدان التي تتمتع بتشريعات قوية وجيدة، وقادرة على تحقيق المساءلة والشفافية، لا تقتصر مزاياها على تحقيق مستويات أعلى من النمو الاقتصادي فحسب، بل تمتاز أيضًا بمستويات مرتفعة من التنمية البشرية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
وانطلاقًا من أهمية التشريعات بكافة أنواعها في توفير المناخ المناسب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بالإضافة إلى ضرورة التناغم والتناسق بينها، يتحقق دور التشريعات الاقتصادية، وأهمها قوانين الاستثمار والبنوك والشركات، في تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال:
- إقامة وتشغيل وتطوير مشروعات تهدف إلى إنهاء الفقر بكل أشكاله في كل مكان.
- خلق وظائف جديدة وتوفير عمل لائق للجميع لتعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام.
- إنشاء وتشغيل وتطوير المدن والمجتمعات الآمنة والمرنة والمستدامة.
- الاستخدام الأمثل والمسؤول للموارد وضمان الاستهلاك المستدام.
- ضمان حصول الجميع على الطاقة الحديثة بصفة مستدامة وبأسعار معقولة.
- ضمان الوفرة والإدارة المستدامة للمياه.توفير بنية تحتية مرنة وتعزيز التصنيع الشامل والمستدام وتعزيز الابتكار.
- القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة.
- ضمان تعليم يتسم بالجودة ومتساو للجميع طوال العمر.
- تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات.
- تقليل عدم المساواة في داخل الدول وما بين الدول وبعضها البعض.
- ضمان حياة صحية وتعزيز الرفاه للجميع من جميع الأعمار.
- تعزيز دور الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في تحقيق التنمية المستدامة.
- توفير الحصول على العدالة للجميع وبناء مؤسسات فاعلة وقابلة للمحاسبة.
أمّا بالنسبة إلى دور التشريعات البيئية وأهمها (قوانين البيئة والثروة المعدنية) في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فيتحقق من خلال:
- مكافحة التغير المناخي وتأثيراته.
- الاستخدام المُحافظ والمستدام للمحيطات والبحار والموارد البحرية.
- حماية واستعادة وتعزيز الاستخدام المستدام للنظم الإيكولوجية الأرضية عن طريق إدارة الغابات بصورة مستدامة ومكافحة التصحر ووقف تدهور الأراضي واستعادتها ووقف فقدان التنوع البيولوجي.
كما أنّ دور التشريعات الجنائية وأهمها (قانون مكافحة الفساد وقانون حماية المستهلك وقانون حماية المنافسة وقانون تضارب المصالح والقانون الجنائي للأعمال) في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يصبح من خلال بحث مدى قدرة تلك القوانين على تحقيق الردع الكاف لمرتكبي الجرائم الاقتصادية بالإضافة إلى قدرتها على تحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على حقوق الإنسان.
المبحث الثاني: مقتضيات التحوّل لرقمية العدالة
وهو ما سنعرض فيه الدعامة الفنية للتحول من النظام الورقي إلى التعامل الرقمي في التقاضي بالمطب الأول من حيث قاعة المحكمة والتكنولوجيا ومهارات التكنولوجيا والعدالة الرقمية، ثم الموارد المالية اللازمة للتحول لرقمية الإجراءات بالمطلب الثاني، ثم الدعامة القانونية للتقاضي الرقمي بالمطلب الثالث على النحو التالي:
المطلب الأول: الدعامة الفنية للتحول من النظام الورقي إلى التعامل الرقمي في التقاضي
أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العمود الفقري للمجتمعات الحديثة في المجالات كلها، ومنها التقاضي عن بعد، ومن أهم متطلبات التقاضي عبر الوسائط الرقمية نجد:
الفرع الأول: قاعة المحكمة والتكنولوجيا
تجهيز قاعة المحكمة بالتكنولوجيا اللازمة من كاميرات وأجهزة مراقبة وشاشات عرض وأجهزة الحاسب الآلي أولى المكنات الفنية اللازمة لميكنة النظام القضائي؛ لأنه لا يتصور تحرير صحف الدعاوى وإيداعها في قلم كتاب المحكمة بشكل رقمي، أو التبادل الرقمي للأوراق القضائية بين وكلاء الخصوم وهيئة المحكمة، من دون وجود أجهزة حاسوب متطورة تساعد في تنفيذ هذه العمليات بكفاءة ودقة.
علاوة على ذلك، يتطلب الأمر إنشاء شبكة داخلية لربط جميع الأقسام والوحدات الأدرية وقاعات المحكمة ببعضها البعض .
ويستطيع جميع العاملين في المحكمة ـمن خلال هذه الشبكة الداخلية الاتصال مع بعضهم آليًا، وإرسال ملفات الدعاوى والطلبات والمذكرات والمستندات والأوراق رقميًا.
أولا: الإدارة الرقمية للدعوى المدنية، وهيئة التحضير:
أ – مفهوم الإدارة الرقمية للدعوى المدنية: يمكن تعريف الإدارة الرقمية للدعوى بأنها: “مجموعة من الإجراءات القانونية التي يقوم بها قاض مختصّ أو موظف ذو كفاءة عالية، تبدأ منذ تسجيل الدعوى إلكترونيًا وحتى السير في إجراءاتها وفقًا لما تقرره القوانين، وذلك عبر المنصة الرقمية المخصصة لهذا الغرض. وتهدف هذه الإدارة إلى التحكم المبكر في مجريات الدعوى القضائية من خلال جمع أطراف النزاع، وتحديد نقاط الاختلاف والاتفاق، وتوضيح جوهر النزاع، إلى جانب حصر وسائل الإثبات والمستندات ورفعها رقميًا.
كما تهدف هذه الإدارة إلى تهيئة الفرصة لحل النزاع بينهم بالوسائل البديلة عن التقاضي التقليدي، مثل الوساطة، أو التحكيم، أو التوفيق، وهي ما يُعرف اختصارًا بـ(ADR )، أو إحالة الملف إلى محكمة الموضوع بعد تجهيزه وتحديد جدول جلسات التقاضي أمامها، وذلك بهدف ضمان سير الدعوى رقميًا بطريقة سليمة لضمان الفصل فيها بأسرع وقت وأقل التكاليف سواء على المحكمة أو على الخصوم.
وقد عرف هذا النظام المشرع المصري حيث ابتدع قانون المرافعات الأهلي الصادر عام 1883م نظام قاضي التحضير، إذ أوكل إليه مهمة إعداد الدعوى وتحضيرها قبل عرضها على محكمة الموضوع. غير أن هذا النظام أُلغي لاحقًا عام 1962م، وعاد المشرع المصري للعمل به عام 2008م ولكن فقط أمام المحاكم الاقتصادية، وذلك بموجب المادة الثامنة من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية وقانون 146 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية.
ب – مهام إدارة الدعوى: يمكن تقسيم مهام الإدارة الرقمية للدعوى إلى جزأين أساسيين: الجزء الأول: ويهدف إلى تهيئة ملف الدعوى والتدقيق في محتوياته ومراقبة إجراءاته، من حيث حصر أطراف النزاع والتأكد من صحة تمثيلهم ومراقبة تبليغهم، وجمع وحصر وسائل الإثبات والمستندات وحصر نقاط الخلاف والاتفاق وتحديد جوهر النزاع.
الجزء الثاني: فيهدف إلى بذل المساعي من طرف المكلف بالإدارة الرقمية للدعوى، من خلال الاجتماع مع أطراف النزاع عبر الوسائط الرقمية وتسهيل الحوار والتفاوض بينهم وعرض الوسائل البديلة عن التقاضي لحل الخلاف وديًا بالتصالح أو الوساطة، فإذا لم يوفق يحيل الملف على محكمة الموضوع بعد تحديد جدول جلساته.
الفكرة بكل بساطة، تقوم على أساس التمييز بين الوظيفة الإدارية والوظيفة القضائية في أثناء سير الدعوى حيث يتولى المكلف بالإدارة الرقمية للدعوى بالإشراف على المهام الإدارية والإجرائية، في حين يتولى قاضي الموضوع مهمة الفصل في الدعوى بتطبيق القانون بناء على المعطيات والوقائع المحصورة في الملف ومرافعات الأطراف.
ومن شأن هذا التقسيم للعمل وتوزيع الأدوار أن يمكّن كل طرف من تركيز جهده ووقته في إنجاز المهام المنوطة به، وويُخفف في الوقت نفسه من العبء عن قاضي الموضوع، إذ يعفيه من مراقبة الإجراءات الإدارية التي يمكن أن تُنجز من قبل جهات متخصصة.
ج – أهداف إدارة الدعوى المدنية: لم يكن التفكير في البحث عن آلية يناط بها إدارة الدعوى وتطويرها في العديد من الأنظمة القضائية عبثًا، بل جاء من أجل تحقيق غايات محددة لتحقيق العدالة الناجزة، والتغلب على المعوقات التي كانت تبطئ سير الدعوى ضمن الإجراءات التقليدية، ويمكن تلخيص أهم أهداف الإدارة الرقمية للدعوى المدنية فيما يلي:
- تقليص حجم القضايا وتحسينجودة الأحكام: يتحقق ذلك من خلال عرض إمكانية حل النزاع وديًا بإحدى الوسائل البديلة عن التقاضي، فإذا نجح في التوصل إلى حل النزاع بإحدى هذه الطرق، فإن ذلك سيكون له انعكاس إيجابي على قضاة الموضوع من حيث التخفيف من ضغط الملفات القضائية المحالة عليهم.
- سرعة الفصل في القضايا:تمر الدعوى بسلسة من الإجراءات الرقمية الطويلة والـمعقدة نسبيًا، بدءًا من تبليغ الأطراف وتبادل مذكرات الدفاع، مرورًا بـتحضير وسائل الإثبات، وتحديد جوهر النزاع، وإجراء المعاينات، وانتداب الخبراء، وانتهاء بـإدارة الـجلسات والنطق بالحكم.
وتُنجز هذه الإجراءات تحت إشراف مباشر من قاضي الموضوع الذي يراقب كل التفاصيل من خلال الوسائط الرقمية. وغالبًا ما تستهلك وقتًا طويلاً من عمر الدعوى.
أما في ظل نظام إدارة الدعوى المدنية، فإن الجزء الأكبر من تلك الإجراءات سيتم تحت إشراف قاضي أو موظف متخصص، يتولى السيطرة عليها مبكراً وفي حدود آجال معقولة ضمن جدول زمني محدد وعبر الوسائط الرقمية.
3- تفعيل مبدأ حصر وسائل الإثبات والمستندات: تسهم فكرة إدارة الدعوى المدنية في تفعيل نصوص القانون التي تلزم أطراف النزاع بتقديم حججهم ومستنداتهم مرفقة بمذكرات افتتاح الدعوى، والتي سيتم إيداعها في الموقع الرقمي الخاص بالمحكمة. ففي ظل هذا النظام، أصبح من مهام القاضي أو الموظف المكلف بالإدارة الرقمية للدعوى التأكد من جمع وثائق ومستندات الخصوم وحصرها، بما في ذلك إحضار النسخ الأصلية، واستكمال المستندات الموجودة بحوزة الخصم أو لدى الآخرين أو لدى المحاكم والإدارات العامة، إلى جانب كافة وسائل الإثبات، بما فيها الشهود.
ويتم ذلك قبل إحالة الملف إلى قاضي الموضوع، الذي سيتفرغ لبحث ودراسة مستندات الخصوم المرفوعة على موقع المحكمة في الصفحة الخاصة بالدعوى، والاستماع إلى الشهود من خلال الوسائط الرقمية واتخاذ القرار المناسب بشأنها، بقبول بعضها واستبعاد البعض الآخر، بعد الاستماع إلى مرافعات الدفاع، ثم النطق بالأحكام في ظل إجراءات التقاضي الرقمي.
4- تحسين البيئة المناسبة للتشجيع على الاستثمار: تحتدم اليوم في ظل العولمة منافسة شرسة بين الدول من أجل جلب المستثمرين ورؤوس الأموال الخارجية، بهدف إنعاش الاستثمار وتحقيق التنمية، لذا ما فتئت هذه الدول تجتهد وتبحث في أسباب خلق بيئة استثمارية مناسبة تساعد على جذب المستثمرين؛ ومن هذه الأسباب تحسين وتطوير نظام التقاضي بما يضمن وضوح القوانين وشفافيتها، والتقليص من أمده وتخفيف تكاليفه والسير فيه عبر الوسائط الرقمية والعدل والإنصاف في أحكامه والسرعة في إصدارها، وبما يتيح إمكانية اللجوء إلى الوسائل البديلة لفض المنازعات رقميا والتي منها الوساطة والمفاوضات والتحكيم الرقمي.
ففعالية ونجاعة النظام القضائي أضحت اليوم من بين العوامل الرئيسة المحفزة على الاستثمار، لما تُحدثه في نفوس المستثمرين من اطمئنان على رؤوس أموالهم؛ ونظام إدارة الدعوى المدنية، بالنظر إلى خصائصه يسهم بقسط وفير في تحقيق فعالية ونجاعة نظام التقاضي، كما يؤدي دورًا مهمًا في إقناع الأطراف باتباع إحدى الحلول البديلة لتسوية النزاعات.
5- تعزيز الثقة في القضاء: إن الهدف من اللجوء إلى القضاء هو الحصول على الحماية القانونية للحقوق، بأقصى سرعة ممكنة، وبأقل التكاليف، وبأدنى جهد، وهذا ما يساعد على تعزيز ثقة الناس في القضاء ويعيد إليه هيبته؛ وسوف تسهم الإدارة الرقمية للدعوى المدنية، بالنظر إلى ما توفره من اختصار في الوقت والنفقات والجهد، في تعزيز ثقة الأفراد والجماعات بقضائهم.
6- تطوير الحلول البديلة للتقاضي: إن اعتماد نظام الإدارة الرقمية بالدعوى المدنية يعد الإطار الأمثل لتفعيل وتطوير الحلول البديلة للتقاضي، لكونه يتيح لقاضي إدارة الدعوى، بما يملكه من أدوات وصلاحيات، ومن فرصة الاجتماع مع أطراف النزاع عبر أي وسيط رقمي لمناقشة أبعاد القضية، والاطلاع على تفاصيلها وتقييم درجة تعقيدها، وبذل مساعيه للتوصل إلى تسوية ودية عن طريق الصلح، أو اقتراح عرض القضية – نظرًا إلى خصوصية عناصرها على وسيط خاص؛ وعلى هذا الأساس يعدّ قاضي إدارة الدعوى بمثابة قناة لتصفية القضايا، لن يمر منها إلى قاضي الموضوع إلا القضايا التي تكشف عن صعوبات وتعقيدات جمة وتضارب صارخ للمصالح، والتي يتعذر تسويتها وديًا عن طريق الصلح أو الوساطة.
ولكي يتم تخفيف العبء عن القاضي المدني، ويختصر عليه الكثير من الجهد والوقت المبذولين في مراجعة صحة الإجراءات وتحضير الدعوى، وللوصول إلى عدالة ناجزة، يجب أن تنشأ في كل محكمة مدنية هيئة تسمى “هيئة التحضير” وتتولى التحضير في الدعاوى التي تختص بها هذه المحكمة، وكذلك الدعاوى المحالة إليها من المحاكم الأخرى للاختصاص النوعي؛ وتشكل الهيئة برئاسة قاض من قضاة الدوائر الاستئنافية بالمحكمة المختصة، وعضوية عدد كاف من قضاتها، بدرجة رئيس محكمة بالمحاكم الابتدائية على الأقل، ويعرف بقاضي التحضير تختارهم جمعيتها العامة في بداية كل عام قضائي، ويلحق بالهيئة العدد اللازم من الإداريين والكتبة وللمحكمة أن تستعين بمن تراه من الخبراء والمتخصصين المقيدين في الجداول التي تعد لهذا الغرض بوزارة العدل .
الفرع الثاني: مهارات التكنولوجيا والعدالة الرقمية
تغير التكنولوجيا الواقع القانوني، ولهذا يجب على جميع المعنيين بالقانون إتقان مجموعة متنوعة من المهارات الفنية للتحول بالدعوى إلى الرقمية؛ ومن بين هذه المهارات: استخدام تطبيقات الحاسب، مثل: Word, PowerPoint, Excel, وإدارة الوقت Time Management، ومهارات الابتكار، والإبداعCreativity ، وتقنية الاتصالات الرئيسة:مثل البريد الرقميE-mail ، وأنظمة المراسلة الصوتية Voice Messaging، وعقد المؤتمرات عبر الفيديوVideo Conference ، والتكنولوجيا ذات الصلة. كما يجب أيضًا تطوير الدراية التقنية اللازمة لاتخاذ قرارات تقنية حكيمة. بالإضافة إلى ضرورة امتلاك جميع المعنيين والفاعلين في المجال القانوني لمعرفة أساسية بالقانون الموضوعي والإجراءات القانونية.
الفرع الثالث: دور إدارة تقنية المعلومات
تقنية المعلومات هي: أي وسيلة أو مجموعة وسائل، مترابطة أو غير مترابطة، تستخدم لتخزين، واسترجاع، وترتيب، وتنظيم، ومعالجة، وتطوير، وتبادل المعلومات أو البيانات، ويشمل ذلك كل ما يتم بالوسيلة أو الوسائل المستخدمة سلكياً أو لاسلكياً.
إدارة تقنية المعلومات هي المسؤولة عن سير الدعوى رقميا وإزالة كافة المعوقات في أثناء تطبيق برامجها الرقمية في مجال قضاء الدولة على مستوى جميع مراحل الدعوى ودرجات التقاضي، والتي سوف تتفاوت من محكمة إلى أخرى، ومن مستخدم إلى آخر، ويمكن تلخيص بعض هذه المعوقات فيما يلي:
1ـ عدم إلمام بعض القضاة والعاملين بالمحاكم بقواعد العمل التي تحكم نظام سير الدعوى رقميا وبرمجة إجراءات الدعوى. لذلك، يجب على إدارة تقنية المعلومات وهيئة التفتيش الرقمي شرح النظم والبرامج الجديدة والتدريب عليها لهذه الفئة ضمانا لتحقيق الغايات المأمولة من إدخال التقنيات الحديثة في العمل القضائي.
عدم اقتناع بعض القضاة بالتحول من النظام الورقي إلى النظام الرقمي وبرمجة إجراءات الدعوى؛ لذلك، يجب العمل على إقناع هؤلاء باستخدام هذه النظم والبرامج لتيسير باب التقاضي على مستخدميه، وأخذ ملاحظات هؤلاء القضاة في الحسبان.
وذلك على النحو الذي أخذ به النظام القضائي السويسري، ففي سبيل تهيئة المجتمع السويسري لقبول هذا النظام الرقمي الجديد، تم تقسيم مراحل الوصول بالقضاء السويسري إلى نظام المحكمة اللاورقية إلى ثلاث مراحل:
تشمل المرحلة الأولى إعمال تقنية الشبكة القضائية الداخلية Intranet لعام 2000- 2001، والتي تعني التداول الرقمي للمستندات بين القضاة والعاملين بالمحاكم فحسب.
أما المرحلة الثانية تتضمن تحرير الخصوم أو وكلائهم للإجراءات القضائية رقميًا، وإيداعها قلم كتاب المحكمة عبر البريد الرقمي للمحكمة.
وتركز المرحلة الثالثة على التخلي عن النظام الورقي نهائيًا، والاتجاه نحو النظام الرقمي لنظر الدعوى بداية من رفعها وحتى صدور حكم نهائي فيها، مرورًا بنظرها من خلال تقنيات الفيديوكونفرانس (اجتماعات الفيديو) .
ورود العديد من الطلبات والشكاوى والاقتراحات من مستخدمي الخدمات القضائية الرقمية؛ لذلك، يجب أن تكون هناك آلية تعتمد عليها إدارة تقنية المعلومات لتلقي هذه الملاحظات والشكاوى والطلبات الجديدة والرد عليها. وأن يقوم المختصون بإدارة تقنية المحاكم بالتواصل المستمر، والزيارات الميدانية للمحاكم للوقوف على أية معوقات قد تواجه التطبيق، والاستماع إلى آراء جمهور المتقاضين، والرد على أي استفسارات وشرح كل ما هو جديد في هذا المجال.
وترى الباحثة إنه، دعمًا لتيسير العمل القضائي المؤسس على تكنولوجيا المعلومات، يجب صياغة الإجراءات القضائية بطريقة مبسطة، وتحريرها بمصطلحات تكنولوجية دقيقة، وبلغة قانونية سهلة ونشرها على مواقع المحاكم المصرية بالإضافة إلى تدريسه كمادة أساسية لجميع الكليات، وليس في كليات الحقوق فقط، على غرار مادة حقوق الإنسان، بالإضافة لتبادل البعثات والمنح الدولية في هذا المجال .
المطلب الثاني: الموارد المالية اللازمة للتحول لرقمية الإجراءات
يستوجب إدخال تقنيات التكنولوجيا الحديثة في مجال إجراءات التقاضي توفير الدولة للموارد المالية اللازمة لهذا التحول الكبير في إدارة مرفق العدالة، بهدف تسريع وتيرة التقاضي، وتفادي معوقاته القائمة على تكدس المحاكم بالقضايا.
ومع ذلك، يعدّ نقص التمويل المادي من أبرز الصعوبات التي قد تعيق الدولة عن المضيّ قدمًا في مشروع رقمنة الإجراءات، الذي يهدف إلى تسريع الفصل في القضايا. فالدول، ولا سيّما النامية منها، قد تواجه تحديات التمويلاللازم لاستكمال هذا المشروع، مما يشكل عائقًا أمام دخول النظام القضائي في عصر الثورة الصناعية الرابعة، والتحول الكامل إلى النظام الرقمي، والاستغناء عن نظام المحكمة التقليدية القائم على استخدام المحررات الورقية .
ويظهر أثر نقص التمويل في مظاهر متعددة، منها عدم استكمال الربط الشبكي لباقي المحاكم في الأقاليم من حيث التجهيزات الفنية، وكذلك في قصور تدريب الكوادر البشرية. ففي مصر، توجد محكمة ابتدائية في عاصمة كل محافظة، إلى جانب ثماني محاكم استئناف على مستوى الجمهورية، مما يشكل عبئًا ماديًا كبيرًا لتجهيز هذا العدد من المحاكم رقميًا، ولتدريب الكوادر البشرية بها على وسائل التكنولوجيا الحديثة لتسيير العمل القضائي، وذلك في ضوء الإمكانيات المادية المحدودة لمصر.
على الرغم من الأهمية القصوى لمسألة استخدام تكنولوجيا المعلومات في مجال قضاء الدولة، إلا إنها لم تكن ضمن أولويات الجهات القائمة على تسيير مرفق القضاء، وذلك استنادا إلى ضعف الإمكانات المادية التي تتذرع بها بعض النظم القضائية لتبرير موقفها بعدم إدراج مسألة تحديث العدالة ضمن أولوياتها .
إن الالتزام بتوفير الموارد المالية الكبيرة يُعدّ أمرًا ضروريًا لنجاح التحول الرقمي (الرقمي) للعدالة، والذي سيحتاج إلى تكلفة كبيرة، فضلا عن الاحتياجات التدريبية المتعلقة بالإجراءات الرقمية. ويتطلب التحول المنشود، الذي تدعو إليه هذه الدّراسة، زيادة نسبية في ميزانية الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات في وزارة العدل، بما يتلاءم مع كل مرحلة من مراحل الانتقال نحو الرقمية.
ولتحقيق النجاح، يجب أن يكون التحول الرقمي للعدالة موضوع خطة استثمار طويلة الأجل، تـشارك فيها جميع الهيئات الاستثمارية على اختلاف أنواعها من القطاعين العام والخاص، وذلك في إطار قانون برنامج العدالة متعدد السنوات؛ ومن الضروري أيضا أن تتسم هذه الخطة بالمرونة، بحيث تأخذ في الاعتبار التعديلات المستقبلية، وأعمال إعادة التأهيل، والصيانة الدورية، ومتطلبات الأمن والجودة.
كما ينبغي زيادة الاعتمادات المالية المخصصة لهذه المشاريع التقنية ضمن الموازنة العامة للدولة، وذلك لتغطية أعمال الصيانة الفنية، والتطوير التقني، والتدريب المهني على الآليات الحديثة في العمل القضائي.
فعلى سبيل المثال، خصصت وزارة العدل الفرنسية في مشروع ميزانيتها لعام 2012، والمقدم إلى البرلمان الفرنسي للتصويت عليه، 80 مليون يورو لتطوير التكنولوجيات الحديثة المستخدمة في نطاق قضاء الدولة، وللتوسع في نطاق ميكنة الإجراءات القضائية، ولاستخدام تقنيات الاجتماعات المرئية (الفيديو كونفرانس)، ولتطوير الاتصالات الرقمية مع المحامين.
كما يجوز الاعتماد على الرسوم القضائية، والجزاءات المالية الجنائية كالغرامة، والأتعاب التي تحصل لمصلحة خزانة الدولة، كمصادر لتمويل هذا المشروع التقني.
المطلب الثالث: الدعامة القانونية للتقاضي الرقمي
لا يمكن الحديث عن إدارة الدعوى رقميًا أو التحول إلى التقاضي الرقمي من دون الحديث عن تعديل في قوانين المرافعات المدنية والتجارية، وقانون الإثبات، وقانون الإجراءات الجنائية، فلا بد من الاعتراف بالأدلة الرقمية في الإثبات أمام القاضي المدني، وإعطاء مخرجات الحاسب الآلي حجية قانونية على المستوى نفسه من المستندات الرسمية. ولذلك، تظهر الحاجة إلى دراسة متعمقة لجميع الجوانب القانونية، والتكنولوجية، والبنية التحتية وجاهزيتها، والموارد المالية، والموارد البشرية القادرة على الإدارة والإشراف على التنفيذ، مع توفير كل اعتبارات السلامة والسرية للبيانات والمعلومات، ومن ثم يمكن الوصول إلى منظومة رقمية فعالة لا تشوبها شبهة عدم الدستورية أو عدم المشروعية.
وبناء على ما سبق، تنقسم المقتضيات التشريعية اللازمة لإدخال تكنولوجيا المعلومات في قضاء الدولة إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى تتعلق بتعديل التشريعات الإجرائية القائمة ليتحقق الانسجام بينها وبين آليات العمل القضائي الحديثة، أما الفئة الثانية تتناول صياغة التشريعات اللازمة لإثبات الحجية القانونية للبيانات والوثائق الرقمية، أما الفئة الأخيرة تنظم آليات حماية أمن وسلامة المعلومات والبيانات المتداولة، وتجريم الأفعال التي تنال منها.
كما يستدعي استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في المجال القضائي المراجعة والتعديل المستمر للتشريعات القانونية القائمة، فلا يكفي لسريان هذه الآليات الجديدة تغيير طرق العمل القضائي فحسب، بل يجب تعديل التشريعات القانونية المنظمة لهذا العمل على نحو يقبل استبدال الدعائم التقليدية بنظيرها الرقمي في العمل القضائي.
لذلك، تنحو كافة الدول الأوربية إلى تعديل أحكام قوانين المرافعات المدنية والتجارية بما يتفق واستخدام تكنولوجيا المعلومات بدلا من الدعائم الورقية لتسيير العمل القضائي، وذلك كله في ضوء ما تضمنته التشريعات الدولية من توصيات بضرورة تعديل التشريعات الداخلية ليتماشى أحكامها واستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في قضاء الدولة.
فعلى سبيل المثال، تمثل توصيات المجلس الأوربي الخاصة بتكنولوجيا المعلومات الوثيقة الأساسية التي عولت عليها دول الاتحاد الأوربي لإجراء التعديلات التشريعية اللازمة والضرورية لقوانين المرافعات على نحو يسمح بتداول وتخزين المعلومات والبيانات في نطاق إجراءات التقاضي رقميا، وهو ما يمكن للدول العربية أن تحذو حذوه بالإضافة إلى توقيع ميثاق بين الدول العربية لتعديل التشريعات الخاصة بالتقاضي الرقمي وتبادل الخبرات في هذا المجال من جانب الدول التي سبقت وفعلت وطبقت نظام التقاضي الرقمي.
لقد مكن انتشار الإنترنت أشكالا غير محدودة من التحول إلى الرقمية خصوصًا في مجال التقاضي، ويعد رفع الدعوى رقميا والتي في طريقها للانتشار من أهم هذه المظاهر في مجال القانون، بل وتطورت إجراءات رفع الدعاوى عبر الوسائط الرقمية بالعديد من الأنظمة القضائية بالعالم ومنها المحاكم الفدرالية الأمريكية ، كما كانت هناك تطورات مشابهة في دول الاتحاد الأوروبي في كل من أستراليا، سنغافورة ، نيوزيلندا، فنلندا، إنجلترا، وكندا. وكذلك، أيضًا على مستوي عدد من الدول العربية كالسعودية، والإمارات، والمغرب، والكويت ، والأردن، والعراق .
وعلى مستوى أي دولة في هذا الاتجاه لا بد من مجابهة العديد من التحديات الاجتماعية والسلوكية والتكنولوجية التي ستنتج عن التطبيق الكامل لرفع القضايا عن بعد والتحوّل بها إلى الرقمية، وهو ما يظهر معه ضرورة التعرض لبيان الآليات القانونية والفنية لرقمية الإجراءات على النحو التالي:
المبحث الثالث: الآليات القانونية لرقمية الإجراءات
باستقراء نصوص قوانين المرافعات المدنية والتجارية والسلطة القضائية وقانون الإثبات، نجد أن في ممارسة إجراءات التقاضي عبر الوسائط الرقمية نظاما جديدا لم تشر إليه هذه القوانين نظرا إلى حداثة الوسائط الرقمية، وظهور الدور البارز لها في العقدين الأخيرين، فهناك أمور يجب مراعاتها، وأخذها في الاعتبار، عند تنفيذ مشروع رقمية إجراءات التقاضي ورفع الدعاوى عن بعد ومنها:
1-تصنيف القضايا التي يمكن تسجيلها رقميًا وتحديد أنواعها، وكذلك بيان الوثائق والمستندات التي يمكن قبولها رقمية.
2- تحديد الأشخاص المصرح لهم بالدخول إلى نظام المعلومات وتسجيل الدعاوى والاطلاع عليها، كالقضاة، وموظفوا المحكمة، والمحامون، والخبراء، وغيرهم من الأشخاص الذين يحق لهم الاطلاع على ملف الدعوى، وذلك بغرض منع الأشخاص غير المرخص لهم من اختراق نظام المعلومات والاطلاع على مستندات الدعوى.
3- تحديد وبيان الإجراء الذي يستخدم في تسجيل المحامين والمتقاضين والتحقق من شخصيتهم والذي يتضمن إدخال اسم المستخدم وكلمة المرور الخاصة به .
4 – إدخال مصطلحات التقاضي الرقمي في القضاء المدني :
السجل الرقمي: السجل المعد رقميًا بالمحاكم المدنية لقيد بيانات الجهات والأشخاص ذوي الشأن ووسيلة التواصل معهم والتي تمكن راغب الإعلان من إخطار الخصوم بالدعوى أو بالطلبات العارضة أو بالأحكام التمهيدية الصادرة فيها.
العنوان الرقمي المختار: الموطن الذي يحدده الأشخاص أو الجهات المعنيون بالدعوى لتلقي الإعلانات المتعلقة بكافة إجراءات الدعاوى المقامة رقميًا، سواء تمثل في بريد رقمي خاص بهم، أو رقم هاتف، أو غير ذلك من الوسائل التكنولوجية.
الإيداع الرقمي: الوسيلة التي يتم من خلالها إقامة الدعوى وقيد صحيفتها، وكذلك تقديم الطلبات العارضة، وطلبات الإدخال أو التدخل، وتوقيع الصحف توقيعًا رقميًا معتمدًا، بالإضافة إلى إيداع المستندات والمذكرات، وكل ذلك يتم عبر الموقع الإلكتروني المخصص لهذا الغرض بالمحكمة المدنية المختصة.
الموقع الرقمي: هو الموقع الإلكتروني للمحكمة المدنية المختصة، والذي يُستخدم لإقامة الدعاوى وقيدها وإعلانها رقميًا.
رفع المستندات رقميًا: تحميل المستندات والمذكرات المقدمة من أطراف الدعوى على الموقع الرقمي للمحكمة المدنية المختصة، مع إمكانية حفظها، واسترجاعها، والاطلاع عليها، ونسخها، تمهيدًا لإرفاقها بملف الدعوى.
المستند أو المحرر الرقمي: رسالة بيانات تتضمن معلومات يتم إنشاؤها أو دمجها أو تخزينها أو إرسالها أو استقبالها، كليًا أو جزئيًا، بوسائل رقمية أو ضوئية أو غيرها من الوسائل المشابهة.
السداد الرقمي: الوسيلة التي توفرها المؤسسات المالية، سواء كانت مصرفية أو غير مصرفية لسداد كافة رسوم استخدام خدمة التقاضي الرقمي أمام المحاكم المدنية، بما في ذلك الرسوم القضائية والدمغات المقررة لإقامة الدعاوى، ومن بين هذه الوسائل: البطاقات المدفوعة مسبقا، وبطاقات السحب والائتمان، والحوالات المصرفية.
الصورة المنسوخة: الصورة المطبوعة من المحرر الرقمي، والتي تودع ضمن ملف الدعوى.
سير الدعوى رقميًا: مباشرة إجراءات التقاضي المنصوص عليها قانونًا عبر الموقع الرقمي المخصص لهذا الغرض.
الإعلان الرقمي: إعلان أطراف الدعوى بأي إجراء قانوني يُتخذ عند إقامة الدعوى أو أثناء سيرها، وذلك عبر الموقع الرقمي، أو من خلال العنوان الرقمي المختار.
طرق حماية إقامة وسير الدعوى رقميًا: الإجراءات المتخّذة لحماية مستندات الدعوى المقامة رقميًا، والتي تهدف إلى تفادي تعديل أو تغيير أو تدمير ملفاتها سواء تم ذلك عمدًا أو نتيجة الإهمال.
الجهات ذات الصلة: الجهات المعنية بتسيير منظومة التقاضي الرقمي أمام المحاكم المدنية، وتشمل: وزارة العدل، وزارة الاتصالات، وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، الهيئة العامة للرقابة المالية، البورصة المصرية، البنك المركزي المصري، والسجل التجاري.
5 – المواد القانونية التي توضح خطوات رقمنة الإجراءات في القضاء المدني، حيث ترى الباحثة إنه ينبغي تعديل نصوص مواد قانون الإجراءات المدنية المواد من 174 إلى 183، بما يسمح بإمكانية رقمنة إجراءات التقاضي أمام المحاكم المدنية، والتي يمكن صياغتها على النحو التالي:
تقييد الدعوى بعد سداد المدعي للرسوم المقررة قانونًا بطريقة رقمية، وترفع المستندات إلكترونيًا. ويُفرض رسم مقابل استخدام هذه الخدمة الرقمية، وذلك وفقًا للفئات التي يصدر بها قرار من وزير العدل؛ وتؤول حصيلة هذا الرسم إلى الإيرادات العامة لموازنة المحكمة المدنية بينما تتحمل الموازنة العامة للدولة تكاليف إنشاء وتشغيل الموقع الرقمي بهذه الخدمة.
يرسل قلم الكُتّاب ملف الدعوى رقميًا إلى هيئة التحضير، ويتولى قاضي التحضير مباشرة أعمال التحضير المنصوص عليها في هذا المقترح، بما في ذلك تكليف أطراف الدعوى بالمثول أمامه.
يعلن أطراف الدعوى المقامة رقميًا الخصوم بصحيفتها، وطلباتها العارضة، وطلبات الإدخال، عبر العنوان الرقمي المختار. فإذا تعذر ذلك، يُتبع الطريق المعتاد للإعلان وفقًا لقانون المرافعات المدنية والتجارية.
وفي هذه الحالة، يلتزم قلم الكُتاب بتسليم الصورة المنسوخة من صحيفة الدعوى أو الطلبات العارضة أو الإدخال، في اليوم التالي على الأكثر، بعد تذييلها بخاتم شعار الجمهورية إلى قلم المحضرين التابع للمحكمة المدنية المختصة لإعلانها وردها لإيداعها (عمل مسح رقمي) ملف الدعوى الرقمي؛ وفي جميع الأحوال، يتعيّن على قلم الكتاب نسخ صورة من المستند أو المحرر الرقمي وإيداعها ضمن ملف الدعوى الورقي.
يلتزم جميع الفاعلين قي نظام التقاضي الرقمي بتحديد عنوان رقمي مختار يتم الإعلان من خلاله. ويُنشأ بالمحاكم المدنية سجل رقمي موحد يخصص لقيد العنوان الرقمي الخاص بالجهات والأشخاص الآتية:
أ-الدولة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة .
ب: الشركات المحلية والأجنبية أو أحد الأشخاص الاعتبارية الخاصة.
ج: مكاتب المحامين. وتوافي الجهات والأشخاص المشار إليها بالفقرة السابقة المحاكم المدنية بعنوانها الرقمي المختار لقيده في ذلك السجل كما يجوز للأشخاص الطبيعية القيد بهذا السجل ويعد العنوان محلا مختار لهم.
ومع ذلك لذوي الشأن الاتفاق على أن يتم الإعلان على أي عنوان رقمي مختار آخر على أن يكون ذلك العنوان قابلا لحفظه واستخراجه .
يتم الإعلان الرقمي بإعلان الدعوى على الموقع المخصص لذلك بالمحاكم المدنية قبل تاريخ الجلسة المحددة بخمسة أيام عمل على الأقل وخمسة عشر يوم على الأكثر ، وبإعلان الدولة على العنوان الرقمي المختار الخاص بفرع هيئة قضايا الدولة المختص محليا وبالإعلان بذات الوسيلة على مكاتب المحامين المقيدين بالسجل اذا اتخذ منه المعلن إليه محلا مختارا له ويعدّ الإعلان الرقمي منتجًا لأثره في الإعلان متى ثبت إرساله بأي وسيلة.
يجوز للخصوم إيداع المذكرات وتقديم المستندات وإبداء الدفاع والطلبات والاطلاع على أوراق الدعوى بالطريق الرقمي عبر الموقع المخصص لذلك .
إذا لم يحضر المدعي جلسات المحاكمة جاز للمحكمة أعمال نص المادة “82” من قانون المرافعات المدنية والتجارية .
إذا أقيمت الدعوى بالطريق الرقمي، جاز لقلم الكتاب إعلان الخصوم بالأحكام والقرارات التي تصدر في أثناء سير الدعوى، والتي لا تنتهي بها الخصومة، بالوسيلة الرقمية نفسها.
يصدر وزير العدل بالتنسيق مع وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، القرارات المنظمة للقيد في السجل المشار إليه في هذا المقترح، وتنظيم إقامة الدعوى رقميًا، وسيرها، وإجراءات إعلانها، وسبل حمايتها، وربط المحاكم المدنية رقميًا، وتلتزم الجهات ذات الصلة بتنفيذ تلك القرارات.
تنشأ بكل محكمة مدنية هيئة تسمى “هيئة التحضير” وتتولى التحضير في الدعاوى التي تختص بها هذه المحكمة، ومتابعة سيرها وصحة إجراءاتها رقميًا.
يعد بالمحكمة المدنية سجل خاص تقيد فيه طلبات التنفيذ التي تقدم إلى قاضي التنفيذ، وينشأ لكل طلب ملف رقمي تودع فيه جميع الأوراق المتعلقة به، ويعرض الملف على قاضي التنفيذ عقب كل إجراء، ويثبت فيه ما يصدره من قرارات وأوامر، وكذلك ما قد تصدره الدائرة الابتدائية من أحكام في منازعات التنفيذ الموضوعية أو الوقتية.
يختص قاضي التحضير بالتحقق من استيفاء ودراسة جميع المستندات اللازمة لتهيئة الدعوى للفصل فيها.
يخطر قاضي التحضير الخصوم بالحضور أمام الهيئة بأية وسيلة يراها مناسبة، ومنها البريد الرقمي أو الاتصال الهاتفي أو الرسائل النصية. وتعدّ الخصومة منعقدة في حالة حضور المدعي عليه أو من يمثله قانونًا؛ فإذا تخلف أحد الخصوم عن تقديم مستند له مسوغ في الأوراق بعد طلبه منه، جاز لقاضي التحضير تغريمه.
يجب الرجوع إلى هيئة صناعة تكنولوجيا المعلومات لإضفاء الموثوقية والأمان على جميع الإجراءات الرقمية، كما يجب الرجوع إليه في شأن الأدلة الرقمية، لتحديد مدى حجيتها، حيث إنها تعد الخبير الوحيد في ذلك ويلتزم القاضي برأيها وفقًا للمادة (19) من اللائحة التنفيذية لقانون التوقيع الرقمي رقم 15 لسنة 2004؛ وترى الباحثة، في هذا السياق، ضرورة إنشاء أكثر من هيئة لضمان مراقبة المعاملات في البيئة الرقمية، وللتحقق من صحة الأدلة والمستندات الرقمية الناتجة عنها. كما توصي بوجوب إصدار التعديل التشريعي اللازم لذلك.
تقع على عاتق الشركة التي تتبنى القيام بالتبليغ أو الإعلان الرقمي، سواء كانت شركة اتصالات كشركة فودافون مثلا المسؤولية الكاملة عن إعلام الشخص المعني، والتحقق من وصول الإعلان إليه واستلامه بشخصه. كذلك تتحمل الشركة المعنية مسئولية حماية وتأمين البيانات الخاصة بالدعوى الرقمية، وذلك على مستوى جميع مراحل الدعوى.
وترى الباحثة إمكانية الاستئناس في ذلك بنص المادة(2) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 والمتعلقة بالالتزامات والواجبات المفروضة على مقدم الخدمة:
أولاً: مع عدم الإخلال بالأحكام الواردة بهذا القانون، وبقانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنه 2003 المُشار إليه، يلتزم مقدمو الخدمة بما يلي:
- حفظ وتخزين سجل النظام المعلوماتي أو أي وسيلة من وسائل تقنية المعلومات لمدة 180 يوما متصلة،وتشمل البيانات الواجب حفظها وتخزينها فيما يلي:
- البيانات التي تمكن من التعرف إلى مستخدم الخدمة.
- البيانات المتعلقة بمحتوىومضمون النظام المعلوماتي المتعامل عليه، متى كانت تحت سيطرته.
- البيانات المتعلقة بحركة الاتصال
- البيانات المتعلقة بالأجهزة الطرفية للاتصال.
- أي بيانات أخرىيصدر بتحديدها قرار من مجلس إدارة الجهاز.
- المحافظة على سرية البيانات التي تم حفظها أوتخزينها، وعدم إفشائها أو الإفصاح عنها إلّا بأمر مسبب من إحدى الجهات القضائية المختصة؛ ويشمل ذلك البيانات الشخصية لأي من مستخدمي الخدمة، وأي بيانات أو معلومات تتعلق بالمواقع والحسابات الخاصة التي يدخل عليها هؤلاء المستخدمون، أو بالأشخاص والجهات التي يتواصلون معها.
- تأمين البيانات والمعلومات بما يكفل الحفاظعلى سريتها، ومنع اعتراضها أو اختراقها أو تلفها.
ثانيًا: مع عدم الإخلال بأحكام قانون حماية المستهلك الصادر بالقانون رقم 67 لسنه 2006، يلتزم مقدم الخدمة يتيح لمستخدمي خدماته، ولأي جهة حكومية مختصة، وبصورة ميسّرة ومباشرة ومستمرة، وبالطريقة التي يمكن الوصول إليها، البيانات والمعلومات الآتية:
- اسم مقدم الخدمة وعنوانه.
- معلومات الاتصالالمتعلقة بمقدم الخدمة، بما في ذلك عنوان الاتصال الرقمي.
- بيانات الترخيصاللازمة لتحديد هوية مقدم الخدمة، وتحديد الجهة المختصة التي يخضع لإشرافها.
- أي معلومات أخرىيقدر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أهميتها لحماية مستخدمي الخدمة، ويحددها قرار من الوزير المختص.
ثالثًا: مع مراعاة حرمة الحياة الخاصة التي يكفلها الدستور، يلتزم مقدمو الخدمة، والتابعون لهم، بأن يوفروا -حال طلب جهات الأمن القومي، ووفقًا لاحتياجاتها- كافة الإمكانات الفنية التي تتيح لتلك الجهات ممارسة اختصاصاتها، وذلك وفقا لأحكام القانون.
رابعًا: يلتزم مقدمو خدمات تقنية المعلومات، ووكلاؤهم، وموزعوهم التابعون لهم، والمنوط بهم تسويق تلك الخدمات، بالحصول على بيانات المستخدمين، ويحظر على غير هؤلاء القيام بذلك.
فيما عدا حالات الطعن بالنقض، يجوز إقامة الدعاوى التي تختص بها المحكمة المدنية، وكذلك الطعن في الأحكام الصادر فيها من قِبَل الأشخاص والجهات المقيدة بالسجل الرقمي، وذلك بموجب صحيفة موقعة ومودعة رقميًا بالموقع المخصص لقلم كتاب المحكمة المدنية المختصة.
لكي تتحقق العدالة الإجرائية في التقاضي الرقمي، ينبغي توافر جملة من العناصر المتكاملة والمتساوية في الأهمية، من أبرزها:
ضرورية متابعة رئيس المحكمة لإدارة الدعوى رقميًا من قِبَل القضاة، على أن يراقب القاضي المختص عملية الإيداع الإلكتروني عبر قلم الكتاب الرقمي، وكذلك إجراءات الإعلان الرقمي لأوراق الدعوى ومحاسبة كل من يخل أو يقصّر في تطبيق نظام التقاضي الرقمي، كل بحسب مسؤوليته وموقعه؛ يتحمل القاضي مسؤولية إدارة الجلسة، .
يجب أن يتم جميع ما سبق ذكره تحت رقابة جهة مستقلة تُنشأ داخل وزارة العدل تحت مسمّى “هيئة الرقابة الرقمية” أو “التفتيش الرقمي”، وتتكوّن من قضاة وخبراء وفنين على دراية تامة بآخر مستجدات تكنولوجيا المعلومات والبيئة الرقمية، وذلك بهدف الرقابة الفنية على القاضي المسؤول عن إدارة الدعوى رقميًا. كما توصي الباحثة بضرورة إصدار تعديل تشريعي يُنظّم مهام هذه الهيئة واختصاصاتها، مع إنشاء إدارة للأزمات الرقمية بكل محكمة، تتولّى ضمان أمن وسلامة واستمرارية ونجاح التقاضي الرقمي والتحول بالعدالة إلى الرقمية .
المبحث الرابع:الآليات التقنية لرقمية الإجراءات
إنّ التعرض لخطوات رفع الدعوى بطريقة رقمية يتطلب بيان ماهية معيار ونظام إرسال وقبول مستندات التقاضي الرقمية وما هي الأجهزة التي يحتاجها المتقاضي للقيام برفع الدعوى رقميا وما هي الخطوات اللازمة لرفع الدعوى رقميًا .
المطلب الاول: المعيار المستخدم في إرسال مستندات التقاضي الرقمي
إذا كانت التجارة الرقمية قد أفرزت أساليب جديدة تؤدي إلى إتمام عمليات البيع والشراء من خلال مواقع رقمية ومنصات رقمية، فإن التقاضي الرقمي يمكن تطبيق الفكرة نفسها، بحيث يمكن رفع الدعوى إلكترونيا عبر نظام إرسال وقبول المستندات الرقمية، وهو نظام رقمي خاص يسمح بفتح قنوات اتصال بين المتقاضين والمحكمة من خلال النافذة الرقمية أو الدخول على الموقع الرقمي للمحكمة المختصة .
ويلاحظ هنا أنّ “النافذة الرقمية” الموجودة على الموقع الرسمي للمحكمة تقوم بوظائف مماثلة لتلك التي كانت تؤديها البنية التقليدية لإجراءات التقاضي، مع اختلاف في أن المعلومات المخزنة على دعامة ورقية يتم تخزينها على دعائم رقمية، وكذلك إحلال نظام التصديق الرقمي محل الطرائق التقليدية في توثيق المستندات، وفي التقاضي الرقمي سوف يتم تبادل البيانات رقميا وبمواصفات قانونية من أجل رفع الدعوى رقميا،وهو ما سيؤدي بدوره إلى توحيد نظم إدارة الدعوى بين المحاكم المختلفة Case Management System .
المطلب الثاني: الأجهزة التي يحتاجها المتقاضي للقيام برفع الدعوى رقمية
من أجل قيام المتقاضي برفع الدعوى رقميا فإن ذلك يستلزم أن يكون لديه جهاز كمبيوتر متصل بشبكة الإنترنت، وأن يوجد على الجهاز برنامج مستعرض للمواقع الرقمية مثل برنامج google، أو برنامج إكسبلوررExplorer، وبرنامج قراءة الملفات كأدوب ريدر Adobe Acrobat Reader مثلا .
المطلب الثالث: الخطوات اللازمة لرفع الدعوى رقميا
الطريق المعتاد لرفع الدعوى هو رفعها بصحيفة تودع قلم الكتاب. وقـد حدد المشرع في المواد من 63-71 الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، ويتعين اتباع هذا الطريق العام في رفع الدعوى طالما أن المـشرع لـم يورد بشأن الدعوى نصًا يقرر إجراءات خاصة لإقامتها.
الطريق المعتاد لرفع الدعوى هو إيداع صحيفتها قلمَ كتاب المحكمة. [راجع في ذلك: أ.د/ الأنصاري حسن النيداني، قانون المرافعات المدنية والتجارية، وقد حدّد المشرّع، في المواد من (63) إلى (71) من قانون المرافعات، الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، ويتعيّن اتباع هذا الطريق العام طالما لم يرد نص خاص يقرّر إجراءات مغايرة. فالأصل العام، وفقًا لنص المادة (63) من قانون المرافعات، أن تُرفع الدعوى بصحيفة تُسمّى صحيفة افتتاح الدعوى أو عريضة الدعوى، وتُودَع لدى قلم كتاب المحكمة المختصة، وذلك بعد استيفاء جميع بياناتها وتوقيعها من محامٍ مقبول للترافع أمام المحكمة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
وتُنتج الدعوى آثارها القانونية من تاريخ إيداعها قلم الكتاب، بشرط سداد الرسوم المقرّرة كاملة، وتُعدّ حُجّة بما ورد فيها من بيانات، وعلى رأسها تاريخ التقديم، ما لم يُطعن فيها بالتزوير.
ويُلاحظ، في ضوء التوجّه نحو رقمنة التقاضي، أن تطبيق نظام التقاضي الإلكتروني في مصر سيتم بصورة تدريجية وعلى مراحل، إلى حين التأكّد من فاعلية الوسائل الإلكترونية واعتمادها بشكل رسمي كبديل للطريق الورقي التقليدي.
فالأصل العام، بالنسبة إلى رفع الدعوى الورقية وفقا لنص المادة (63) من قانون المرافعات أن يتم رفعها بواسطة ورقة تسمى صحيفة افتتاح الدعوى أو عريضة الدعوى، وهذه الورقة تودع قلم كتاب المحكمة المختصة بعد أن يتم استيفاء جميع بياناتها وتوقيعها من محام مقبول للترافع أمام المحكمة المختصة، ما لم ينص القانون على غير ذلك من إجراءات لرفع الدعوى.
وتنتج الدعوى آثارها القانونية بمجرد إيداع عريضتها قلم الكتاب بعد آداء الرسم كاملا وهي حجة بما ورد فيها من بيان تاريخ تقديمها ما لم يطعن عليها بالتزوير.
أما بالنسبة إلى إجراءات رفع الدعوى رقميا يمكن من خلال توفير نظام مؤمن رقميا تتبع سير الدعوى بداية من طلب رفع الدعوى من المدعي أو وكيله إلى المحكمة المختصة بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة، ويقوم قلم الكتاب بقيدها ثم إعلانها، وبالتالي، تنعقد الخصومة على أن يتم ذلك على النحو التالي:
يتم تقديم طلب إلى المحكمة عن طريق ملء أنموذج معد سلفًا على الموقع الرقمي لوزارة العدل المصرية بحيث يتضمن هذا الأنموذج البيانات التي نصت عليها المادة (63) من قانون المرافعات، ويجب أن يقوم محام مقبول للترافع أمام المحكمة التي يقدم أمامها هذا الطلب بإنهاء إجراءات رفع الدعوى رقميًا، ( ولا يجوز لأصحاب الشأن التوجه من تلقاء أنفسهم للتعامل مع موقع المحكمة في المرحلة الأولى فقط على أن يتم ذلك في مراحل لاحقة كما سبق وأشرنا)، والغرض من ذلك هو رعاية الصالح العام إلى جانب صالح المحامين ضمانا لمراعاة أحكام القانون، حيث إنه لن يتم اعتماد هذا الطلب وتأكيده إلا بعد أن يدخل المحامي بياناته سواء اسمه ورقم الكارنيه الخاص به والرقم الكودي الذي ستعطيه له النقابة العامة للمحامين بالتعاون مع وزارة العدل.
وعلى قلم الكتاب الرقمي إثبات تاريخ طلب القيد في جميع الأحوال، وإذا رأى قلم الكتاب عدم قيد صحيفة الدعوى لعدم استيفاء المستندات والأوراق الموضحة عالية بشكل صحيح، قام بعرض الأمر على قاضي الأمور الوقتية ليفصل فيه فورًا، إما بتكليف قلم الكتاب بقيد الدعوى أو بتكليف طالب قيدها باستيفائها بشكل صحيح، وذلك بعد سماع أقواله والتواصل معه من خلال الموقع الرقمي للمحكمة، فإذا قيدت صحيفة الدعوى تنفيذًا لأمر القاضي، عُدّت مقيدة من تاريخ تقديم طلب القيد.
وتنتج الدعوى كل آثارها القانونية بمجرد الإيداع الرقمي لعريضتها في قلم الكتاب الرقمي، بعد أداء الرسوم كاملة من خلال إحدى وسائل الدفع الإلكتروني، كخدمة الدفع الرقمي من خلال أي ماكينة دفعATM ، وتعد صحيفة الدعوى الرقمية حجة بما ورد فيها من بيانات، ولا سيما تاريخ تقديمها، ما لم يُطعن عليها بالتزوير.
ويتولى قلم الكتاب إرسال صحيفة الدعوى رقميًا عن طريق أي وسيط رقمي والمذكرة الشارحة لدعوى المدعي عليه، ويخطره بقيد الدعوى واسم المدعي وطلباته والجلسة المحددة لنظرها، ويدعوه إلى الاطلاع على ملف الدعوى وتقديم مستنداته ومذكرة بدفاعه.
وعلى المدعى عليه أن يودع رقميًا قلم الكتاب مذكرة بدفاعه ويرفق به مستنداته تحت مسؤوليته قبل الجلسة المحددة لنظر الدعوى بثلاثة أيام على الأقل.
وتجدر الإشارة إلى أن إعلان المدعى عليه بالدعوى من قلم الكتاب سوف يكون بالموطن الرقمي المختار عن طريق البريد الرقمي أو رسالة على تلفونه المحمول. وإذا كان قلم الكتاب قد علم بتلك البيانات من المدعي، فيرسل قلم الكتاب إلى المدعى عليه رسالة من خلال البريد الرقمي للمحكمة موضحًا فيه الرقم الكودي الموحد الذي يستطيع من خلاله الاطلاع على الدعوى والمستندات المرفقة، والرد من خلاله دفوعه وطلباته، ويتم تبادل المذكرات ومتابعة قرارات المحكمة رقميًا.
أما في حالة عدم علم المدعي بمحل إقامة المدعى عليه أو بريده الرقمي أو هاتفه، يقوم قلم كتاب المحكمة من خلال الربط الرقمي بين موقع المحكمة وقاعدة بيانات مصلحة الأحوال المدنية بطلب الحصول على بيانات المدعى عليه حتى يتسنى مخاطبته وإبلاغه بالدعوى.
ويقوم قلم كتاب المحكمة، عبر الوسائط الرقمية، بإخطار قلم المحضرين في المحكمة ذاتها ليتولى إعلان صحيفة الدعوى بتاريخ الجلسة المحددة لنظرها، وذلك خلال ثلاثين يومًا على الأكثر (في التقاضي الرقمي من الممكن أن يختصر هذا الميعاد إلى أسبوع على الأكثر من تاريخ تسليمها إليه عبر الوسائط الرقمية) من تاريخ تسليمها إليه إلا إذا كان قد حدد ميعادًا لنظر الدعوى خلال هذه المدة، فعندئذ يجب أن يتم الإعلان قبل الجلسة (حتى لو كانت الجلسة ستعقد افتراضيًا أو عبر تقنية الفيديو كونفرانس؛ وفي هذه الحالة لا يوجد مجال لميعاد الحضور ولا ضرورة له) وذلك مع مراعاة ميعاد الحضور، وتحكم المحكمة المرفوعة إليها الدعوى على من تسبب من العاملين بقلم الكتاب أو المحضرين بإهماله في تأخير الإعلان بغرامة يحددها المشرع غير قابلة لأي طعن.
ولا تعدّ الخصومة منعقدة في الدعوى إلا بإعلان صحيفتها إلى المدعى عليه، ما لم يحضر يوم الجلسة.
ويجوز بناء على طلب المدعى عليه، اعتبار الدعوى كأن لم تكن إذا لم يتم تكليفه بالحضور في خلال خمسة عشر يومًا على الأكثر من تاريخ تقديم الصحيفة إلى قلم الكتّاب، وكان ذلك راجعًا إلى فعل المدعي.
وفي حالة ما إذا ترك المدعي الخصومة أو تصالح مع خصمه في الجلسة الأولى لنظر الدعوى، وقبل بدء المرافعة فلا يُستحق على الدعوى إلا ربع الرسم المسدد رقميًا.
وحرصًا من المشرع على احترام حق الدفاع، وتأكيدًا لمبدأ المواجهة بين الخصوم، فقد نظم كيفية إعلان الأوراق القضائية، فالإعلان القضائي هو الوسيلة الرئيسة التي رسمها قانون المرافعات لتمكين المعلن إليه من العلم بإجراء معين، كي يعد دفاعه ويودع مستنداته لمواجهة خصمه في ضوء ما جاء بالإعلان.
وقد نصّت المادة العاشرة من قانون المرافعات على أن:
تُسلَّم الأوراق المطلوب إعلانها إلى الشخص نفسه أو في موطنه، ويجوز تسليمها في الموطن المختار في الأحوال التي بيّنها القانون، وإذا لم يجد المحضر الشخص المطلوب إعلانه في موطنه، كان عليه أن يُسلّم الورقة إلى من يقرر أنّه وكيله، أو أنّه يعمل في خدمته، أو أنّه من الساكنين معه من الأزواج والأقارب والأصهار).
والناظر إلى المادة (65)، يجد أنّها مدعاة للبطء في بدء انعقاد الخصومة القضائية، حيث يواجه المحضر بعض الصعوبات منها:
- عدم التحقق من شخصية أو صفة مستلم صورة الإعلان.
- غلقموطن المعلن إليه عند التوجه إليه.
- امتناع المعلن إليه عن استلام الإعلان.
- استلام الإعلان مع رفضالتوقيع على الأصل بالاستلام.
- التزام المحضر بتسليم الإعلان لجهة الإدارة عند الامتناععن استلامه.
كل هذه الأمور قد تعيق حق المدعى عليه في العلم بالإجراءات، بل قد تؤدي أيضًا إلى كثرة تأجيل الدعاوى أمام المحاكم، وهو ما يترتب عليه ضياع وقت القضاة والمتقاضين معًا.
وبالتالي، فإن إعلان صحيفة الدعوى رقميًّا يقضي على هذه المسالب، ويقضي بشكل مباشر على صفة البطء في الإجراءات، وذلك من خلال إعلان الأوراق القضائية عن طريق البريد الرقمي للمدعى عليه، أو رسالة على تلفونه المحمول أو المنزلي، كما يمكن إعلان الأوراق القضائية خارج الدولة بالطريقة ذاتها من خلال بريد رقمي مسجل ومعتمد بواسطة شركة معتمدة وذلك في إطار خدمات التقاضي الرقمي التي ستفتح العديد من فرص الاستثمار على مستوى القطاعين العام والخاص.
لكن هذا النظام لا يخلو من بعض التعقيدات، خصوصًا فيما يتعلق منها بالتوقيع الرقمي، أو السر المهني، أو وسائل الإثبات، أو حجية الإعلان للمدعى عليه، أو اختراق البيانات. وهذه الإشكاليات سنعرض لها لاحقًا في محاولة لمعالجتها.
ولقد نظم قانون المرافعات التمثيل الفني للخصوم في الخصومة، ونظم قانون المحاماة تمثيل الخصم أمام القضاء للقيام بإجراءات الخصومة وتلقيها باسم الخصم والحضور عنه. ويحتاج هذا الأمر إلى مزيد من الوقت والمشقة لاستخراج التوكيل اللازم؛ ومن هنا، ظهرت أهمية استخراج التوكيل رقميًّا من خلال إنشاء موقع لإدارة التوكيلات بوزارة العدل على شبكة الإنترنت مرتبط بموقع المحكمة رقميًّا أو عن طريق توفير ماكينات ITM داخل المحاكم والجهات التابعة لوزارة العدل، وسوف يتم تداول المذكرات والدفع والطلبات رقميًّا ما بين موقع المحكمة بالبريد الرقمي سواء للخصوم أو للمحامين الوكلاء عنهم، فلا يحتاج الأمر حضور الطرفين أو أحدهما لمتابعة دعواه، ولكن تداول المستندات عبر الموقع الرقمي للمحكمة مرتبط بتفعيل التوقيع الرقمي، والذي سوف يسهم إلى حد كبير في إزالة الصعوبات والعقبات القانونية من خلال إقرار استخدام الوسائل الرقمية في تحرير وتبادل وحفظ المستندات بما يكفل حفظ حقوق المتقاضين ويضمن مصداقية وقانونية المعاملات الرقمية في آن واحد .
وتتابع إجراءات الخصومة، سواء تلك التي يقوم بها القاضي وأعوانه، أو الخصوم وممثلوهم، وأحيانًا آخرون، بهدف الوصول إلى إصدار حكم يحقق الحماية القضائية.
فالحكم هو الإجراء الذي تنتهي به الخصومة نهاية طبيعية، وذلك بعد انتهاء المداولة؛ وقد أوجب القانون النطق به في جلسة علنية، وإلا كان باطلًا، كما حدد القانون إجراءات وشكليات جوهرية لإصدار الحكم وتحريره، ويترتب على مخالفتها بطلان الحكم.
الخاتمة والنتائج
بعد أن عرضنا “لماهية العدالة الرقمية، وتحليل علاقتها بأهداف التنمية المستدامة، يمكن استخلاص النتائج التالية:
- العدالة الرقمية ليست مجرد أتمتةللإجراءات، بل هي تحول جذري في فلسفة التقاضي.
- تُعدالعدالة الرقمية أداة فعّالة لتحقيق العدالة الناجزة، ورفع كفاءة الأداء القضائي، وتوسيع نطاق الوصول إلى العدالة لكافة شرائح المجتمع.
- يستوجب تحقيقهذا التحول بناء بيئة تشريعية، وفنية، وتكنولوجية، متكاملة تواكب التطورات المعاصرة.
- يُعد التحول الرقمي للعدالة ركيزة أساسية لدعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة،ولا سيّما فيما يتعلق بتعزيز الشفافية، وترسيخ المساواة، وضمان الحماية القانونية للفئات الهشّة..
وقد تبين أن نجاح العدالة الرقمية يرتبط بثلاثة عوامل رئيسة:
- وجود بنية تشريعية متطورة تعترف بالإجراءات الرقمية.
- توافر بنية تحتية تقنية مؤمنة تضمن سلامة البيانات.
- كادر بشريمدرّب ومؤهل قادر على التفاعل بكفاءة مع النظم الرقمية القضائية.
وفي هذا السياق، يمكن التأكيد على ما يلي:
- جميع الإجراءات التي تتخذ قبل عملية الإدخال الرقميفي منظومة التقاضي تُعدّ من قبيل الأعمال التحضيرية، وتهيئة الدعوى لعرضها على القاضي عبر الوسائط الرقمية.
- لرقمية القضاء عناصر ومكونات أساسيّة لا يمكنللمنظومة القضائية القيام بدورها من دون توافرها، وتخضع تلك العناصر للإطار القانوني الذي ينظمها، من قوانين وطنية واتفاقات دولية .
- تُعدّ قواعدالبيانات والمعلومات من أهم هذه المكوّنات، إذ تمثّل الوعاء الذي يحتوي على المعطيات القانونية، في مراحل إنشائها، مراجعتها، تحديثها، ومعالجتها .
- يُعد كلّ منقواعد البيانات والأنظمة المؤتمتة الركيزة الأساسية في عملية التقاضي الرقمي، فهما الأداتان اللتان تمكّنان القاضي من دراسة القضايا واتخاذ القرارات استنادًا إلى بيانات دقيقة ومنظمة.
التوصيات:
بناء على ما سبق، توصلت الباحثة إلى عدد من التوصيات، أهمها:
- ضرورةإعمال قواعد قانون المرافعات التي تنظم الإجراءات، ولكن ضمن مفهوم جديد يختلف عن المفهوم التقليدي للشكلية، بحيث يراعى فيه طبيعة التقاضي الرقمي، مع اعتماد مبدأ الدمج في الإجراءات وإنجازها دفعة واحدة، وذلك بإدخال البيانات مباشرة إلى جهاز الحاسوب.
- يجب أن يشمل أعوان القضاة في تكوين عناصر التقاضي الرقمي المختصين فنيًا وتقنيًا والمبرمجين والمهندسين التقنيين والذين يتم الاستعانة بهم في إجراءات التقاضي الرقمي المتمثلة في قواعد البيانات وأنظمة الذكاء الاصطناعي.
- يجب اتباع الأسس الفنية والقانونية على السواء للاعتداد بمحل الإجراء الرقمي.
- يتعين على المشرع النص على الشروط المتعلقة بالإجراءات التي تتخذ في التقاضي الرقمي، والمتعلقة بحجية تلك الإجراءات وكيفية إثباتها والشروط الفنية والتقنية التي يجب اتباعها والعنصر الزمني الذي يجب أن يتم فيه الإجراء سواء كان ميعاد كامل أو ناقص أو ميعاد مرتد، مع الأخذ في الاعتبار الشروط العامة التي يجب توافرها في محل الإجراء القضائي بصفة عامة والمتعلقة بوجوب أن يكون محل الإجراء موجودا أو معينا أو قابلا للتعيين.
- يجب أن يكون هناك تحديد لكافة الجوانب الفنية والتكنولوجية لمراحل عمل القاضي في أثناء سيرالدعوى رقميا، والتي من شأنها تحديد الأخطاء التي يمكن أن تعوق إصدار حكم صحيح على الواقعة المعروضة عليه.
- تعديلالقوانين الإجرائية (المرافعات، الإثبات، الإجراءات الجنائية) لإدماج الوسائط الرقمية بشكل مستمر.
- إعدادمنصة مركزية موحدة لإدارة الدعوى القضائية رقميًا على مستوى الجمهورية.
- تدريبالقضاة والمحامين والإداريين على استخدام التقنيات الحديثة والتعامل مع الملفات الرقمية.
- تعزيزالتعاون بين وزارات العدل والاتصالات والتخطيط لتوفير تمويل مستدام للتحول الرقمي في القضاء.
- إنشاءهيئات قضائية مستقلة لمراقبة الأداء الرقمي وضمان الجودة والسرعة والنزاهة في إدارة الدعوى الإلكترونية.
- إشراكالمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في تصميم نظام العدالة الرقمية لضمان الشفافية.
- تبادلالخبرات العربية والدولية عبر اتفاقيات تعاون تقني وقضائي للاستفادة من التجارب الناجحة.
قائمة المصادر ولمراجع:
الكتب والرسائل العلمية:
- الأنصاري،حسن النيداني. (بدون تاريخ). قانون المرافعات المدنية والتجارية.
- البداعي،علي بن سعيد بن حمود. (بدون تاريخ). التقاضي عن بعد.
- الترساوي،عصام. (2019). إلكترونية القضاء بين النظرية والتطبيق [رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس].
- الدمياطي،تامر محمد سليمان. (2008). إثبات التعاقد الإلكتروني عبر الإنترنت [رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس].
- الغانم،عبد العزيز سعد بن دخيل. (بدون تاريخ). المحكمة الإلكترونية: دراسة تأصيلية [رسالة دكتوراه].
- مختار،محمود. (2013). استخدام تكنولوجيا المعلومات لتيسير إجراءات التقاضي المدني: دراسة مقارنة. دار النهضة العربية.
- والي،فتحي. (1999). الوسيط في قانون القضاء المدني. مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي.
الأبحاث والمقالات:
- الألفي،محمد محمد. (2007). المحكمة الإلكترونية بين الواقع والمأمول. مؤتمر الحكومة الإلكترونية السادس، دبي.
- السعدي،إبراهيم محمد. (بدون تاريخ). دور التكنولوجيا في التغلب على ظاهرة البطء في التقاضي.
- عامر،رباب محمود. (2019). التقاضي في المحكمة الإلكترونية. مجلة كلية التربية للبنات للعلوم الإنسانية، 13(25)، 406-420.
- كامل،جبالي أبو هشيمة. (2016). حماية البيانات الشخصية في البيئة الرقمية: دراسة مقارنة بين القانون الفرنسي ومشروع القانون المصري. مؤتمر كلية الحقوق، جامعة أسيوط.
- معاوي،عتيقة؛ شرون، حسينة. (بدون تاريخ). التقاضي الإلكتروني في الجزائر Le e-Litige en Algérie.
التقارير والوثائق الرسمية:
- وزارةالعدل المصرية. (2022). مشروع العدالة الرقمية في المحاكم الاقتصادية.
- مجلسأوروبا. (2020). تقرير استخدام الذكاء الاصطناعي في العدالة.
- الأممالمتحدة. (2021 Digital Justice Systems: Global Outlook.
المصادر الإلكترونية:
- .Al Adwan, M. A. S. (2020 Electronic Administrative Litigation in the Jordanian Legal System: A comparative study. AAU Journal of Business and Law, 3(1), 58-107.
https://digitalcommons.aaru.edu.jo/aaujbl/vol3/iss1/4
- . Arora, C. K., Jenkins, T. L., Lew, G. Y., Hixson, L., & Tucker, C. A. (1999 Courtroom Technology Manual. Administrative Office of the United States Courts.
- . Bridenback, M. L. (2016 Study of State Trial Courts Use of Remote Technology Final Report. National Association for Presiding Judges and Court Executive Officers.
- Moyeda, J. (2014Courtroom Technology. Cornell Law School Graduate Student Papers, 30.
http://scholarship.law.cornell.edu/lps_papers/30
- . Walker, J., & Watson, G. D. (2008 New Trends in Procedural Law: New Technologies and the Civil Litigation Process. Hastings International and Comparative Law Review, 31(1), 251-294.
- . Voigt, P., & von dem Bussche, A. (2017 The EU General Data Protection Regulation (GDPR). Springer International Publishing.
القوانين والتشريعات:
- القانونالمصريرقم 15 لسنة 2004 بشأن التوقيع الرقمي.
- القانونالمصريرقم 120 لسنة 2008 بشأن إنشاء المحاكم الاقتصادية.
- القانونالمصريرقم 146 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام قانون المحاكم الاقتصادية.
- القانونالمصريرقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
المواقع الإلكترونية:
- الموقعالرسميللحكومة الإلكترونية في الإمارات https://www.government.ae
- موقعالمحكمةالعليا في سنغافورة:
- موقعاليوروبيانجاستيس https://ejustice.europa.eu
- موقع منظمةADR الدولية https://adr.org
حقوق النشر © محفوظة لمجلة الضاد الدولية – العدد السابع، حزيران 2025.
يُمنع إعادة نشر هذا البحث أو نسخه أو استخدامه لأغراض تجارية أو إعادة توزيعه كليًا أو جزئيًا بأي وسيلة، من دون إذنٍ رسمي وخطي من إدارة مجلة الضاد الدولية حصرًا.
تنويه مهم:
يُسمح بالاستشهاد العلمي من هذا البحث، سواء بالنقل الحرفي القصير ضمن علامات تنصيص، أو بإعادة الصياغة،
وذلك ضمن الأطر الأكاديمية المعترف بها، وبشرط الالتزام الكامل بقواعد التوثيق العلمي وذكر المرجع بشكل صحيح
(اسم المؤلف، عنوان البحث، المجلة، العدد، تاريخ النشر، الصفحات).
إن الاستشهاد العلمي لا يُعدّ انتهاكًا للحقوق الفكرية، بل هو حق مشروع ضمن أخلاقيات البحث العلمي.
لأي استفسار أو طلب إذن رسمي لإعادة استخدام المحتوى، يُرجى التواصل مع إدارة المجلة عبر البريد الإلكتروني:
📩 Dhadinternationaljournal@gmail.com