📘عنوان البحث:الصوائت والصوامت ودلالتها في شعر المناسبات عند الشاعر عمر أبو ريشة
✍المؤلف:د. يوسف الجاجية، أ. حورية عبد الرحمن
📖 المجلة:مجلة الضاد الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية
📚 العدد:7
📆 تاريخ النشر:حزيران 2025
📄 الصفحات:188-206
🏛 دار النشر:دار البيان العربي
ملخّص الدّراسة
يُعدّ الشعر فنًا أدبيًا بارزًا، وهو من أهمّ الفنون الأدبيّة الّتي تميّزت بها مختلف الحضارات. قد سبق أن نظم العرب الشعر قبل الإسلام في عصر الجاهليّة، ومنذ ذلك الحين والشعر يحتلّ مكانة كبيرة، ويُعدُّ جزءًا أساسيًا من التراث الأدبيّ العربيّ.
يُمثّل الشعر العربيّ القديم قاعدة مهمّة في تطوّر الشعريّة العربيّة، ويعكس ذلك وضوح الثقافة والحياة الاجتماعيّة والروحيّة في العصور القديمة. يُعدُّ هذا الشعر أنموذجًا للدقّة والتناسق الفنّيّ، وقد كوًّنت قصائد الشعراء القدامى والأشعار الأندلسيّة والجاهليّة جوهرًا للفنّ الشعريّ العربيّ.
إنّ بناء القصائد في الشعر العربيّ القديم كان متنوّعًا، حيث كان هناك نوعان رئيسان من البناء، النوع الأوّل: كان يستخدم بناءً ضخمًا يتميّز بالطول والكثافة، ويحتوي على وحدات متعدّدة، منها الطلل والنسيب ووصف الناقة أو الفرس، والمناسبة والموعظة. أمّا النوع الثاني: فكان عاديًا وبسيطًا، ويمثّل الواقعيّة ويُعبّر عن المشاعر والأحاسيس بشكل صريح وعفويّ.
كما كانت المناسبة جزءًا أساسيًا في الشعر العربّي القديم، حيث كانت تُظهر التنوّع والغنى في الأغراض الشعريّة المختلفة، سواء الثقافيّة أم السياسيّة أم الاجتماعيّة. كان الشعراء يوظّفون أنواع الشعر الختلفة مثل الفخر والحماسة والمدح والغزل، وغيرها، مُجسّدين العواطف والانفعالات والحوادث الّتي تحيط بهم، وكانوا يُبدون الحبّ والفخر والحنين والسرور من خلال شعرهم.
من خلال تجارب الشعراء في التعبير عن المناسبات المختلفة في العصر القديم، تنوعت وتزايدت خبراتهم الشعريّة ومهاراتهم في استخدام اللغة. فقد تميّزت أشعارهم بالعفويّة والبساطة، بالإضافة إلى جزالة الألفاظ. كما اتسمت أيضًا بالموسيقى الساحرة والمعاني العميقة، فضلاً عن الأساليب البلاغيّة المتقنة.
الكلمات_ المفتاحية: الصوامت، الصوائت، الشعر، المناسبات، عمر أبو ريشة.
Abstract:
Poetry is a prominent literary art and one of the most important artistic forms distinguished across various civilizations. Arabs composed poetry even before Islam during the pre-Islamic era (Jahiliyyah), and since then, poetry has held a significant place, becoming an essential part of the Arab literary heritage.
Ancient Arabic poetry represents a crucial foundation in the development of Arabic poetic tradition, clearly reflecting the culture, social life, and spirituality of ancient times. This poetry is a model of artistic precision and harmony, with the poems of ancient poets, Andalusian poetry, and Jahili poetry forming the core of Arabic poetic art.
The structure of poems in ancient Arabic poetry was diverse, mainly consisting of two types of composition. The first type was a grand structure characterized by length and density, containing multiple units such as al-Tilal (remnants), al-Naseeb (love prelude), descriptions of camels or horses, occasions, and admonitions. The second type was simpler and more straightforward, representing realism and expressing emotions and feelings in a direct and spontaneous manner [Reference: Al-Qartajni, Hazem, Manhaj al-Bulaghā’ wa Sirāj al-Adabā’, ed. Muhammad Al-Habib bin Al-Khawja, Dar Al-Gharb Al-Islami, Beirut].
Occasions were an essential part of ancient Arabic poetry, showcasing diversity and richness in various poetic themes, whether cultural, political, or social. Poets employed different genres such as pride, enthusiasm, praise, and love poetry, embodying emotions, passions, and events around them, expressing love, pride, nostalgia, and joy through their poetry.
Through the poets’ experiences in expressing various occasions in the ancient era, poetic expertise and linguistic skill diversified and increased. The poetry was characterized by spontaneity, simplicity, eloquence in words, enchanting musicality, deep meanings, and refined stylistic and rhetorical features.
Keywords: consonants, vowels, poetry, occasions, Omar Abu Risha.
التّعريف بالموضوع
ظهر شعر المناسبات بوضوح في الأدبين الإغريقيّ والعربيّ، حيث كان الشعراء يتنافسون في إلقاء قصائدهم في المناسبات المختلفة، وكانوا يسعون للحصول على الجوائز. ويمكن تعريف شعر المناسبات بأنّه الشعر، حيث يشمل الشعر المرتبط بمناسبات دينيّة أو وطنيّة أو اجتماعيّة.
إنّه الشعر الّذي يُخلّده صاحبه لإظهار تقديره واحترامه لمناسبة معيّنة، ويحمل معاني ومفاهيم ورموز تُعبّر عن مغزى هذه المناسبة في حياة الناس. ويظلّ هذا الشعر قريبًا من قلوب الناس مع احتفالاتهم وذكرياتهم، ويجد نفسه مرافقًا لتلك المناسبات في كلّ مرة، وينتهي صلاحيّته بانتهاء المناسبة الّتي تمّ تنظيمها من أجلها (حور). عَدّ الشاعر الألماني “غوته” أن شعر المناسبات هو من أرقى أنواع الشعر، حيث أكّد في كتابه “شعر وحقيقة”: “إنّ شعر المناسبة هو أكثر أصالة من جميع ضروب الشعر، قد فُقد منذ أن بدأت الأمّة لا تُلقي بالًا إلى قيمته العليا” (سليمان).
ومن خلال هذا الموضوع لا بدّ لنا من التطرّق إلى تعريف المناسبات، وكذلك الشعر في اللغة، ثمّ تعريف شعر المناسبات في الاصطلاح لتوضيح المعنى، ودراسة شعر المناسبات، دراسة في عمق البنى اللغويّة، لتمييز الصوات والصوائت، تحديدًا في شعر عمر أبي ريشة نموذجًا.
أهمّيّة الموضوع
تتجلّى أهمّيّة الموضوع في كونه:
1- الدراسة الوحيدة الّتي تناولت دراسة البنية اللغويّة في نماذج من شعر المناسبات للشاعرين عمر أبو ريشة، متّخذة من المقاربة الأسلوبيّة منهجًا يهدف إلى بيان أهم القضايا اللغويّة، وتحليلها تحليلًا صوتيًا وصرفيًا ونحويًا وأسلوبًيا، مستخرجة دلالاتها في سياق المعنى.
2-محاولة لتقديم دراسة لغويّة معاصرة تستعين بكل ما وُجد في حقل الدراسة اللغويّة، وإبراز فعاليّة المنهج الأسلوبيّ في دراسة الشعر الحديث.
أهداف الموضوع
يسعى هذا البحث إلى تحقيق جملة من الأهداف، لعلّ من أبرزها:
1-دراسة الخصائص الفنّيّة واللغويّة عند الشاعر عمر أبو ريشة، وتتبّع الظواهر الأسلوبيّة في شعر المناسبات عنده.
2-التماس مظهر العلاقة بين الصوت والدّلالة في شعر عمر أبو ريشة، وتحصيل بعض ظواهرها الصوتيّة والصرفيّة دراسة تطبيقيّة، لتوضيح أبعادها والإبانة عن قيمتها التعبيريّة.
إشكاليّات الموضوع
1- ما دلالات الأصوات والموسيقى في شعر عمر أبو ريشة؟.
2-ما أثر تنوّع الصيغ الصرفيّة في التعبير عن المعاني في شعر عمر أبو ريشة؟.
3-ما أهمّ الظواهر الأسلوبيّة في شعر عمر أبو ريشة؟ وما الأثر الدلاليّ الّذي أضفته هذه الظواهر على شعره؟.
المنهج المعتمد
اتّخذ الباحث المنهج الأسلوبيّ، وهو منهج تحليليّ يُستخدم في دراسة النصّ الأدبيّ، ويهدف إلى كشف أبرز معالم النصّ العربيّ المعاصر وتحليله. ويعتمد النظرة الشموليّة والتحليليّة الّتي تمكّن القارئ من فهم تفاصيل النصّ الأدبيّ ومعانيه واستيعابها، بما في ذلك الأبيات الشعريّة. كما أنّه يساعد القارئ على التأمّل في الأبيات الشعريّة بشكل أعمق، حيث يتيح له فهم جوانبها الفنّيّة والجماليّة بشكل أكبر، ويستطيع من خلاله اكتشاف المزايا الّتي تجعل الأبيات الشعريّة فريدة ومتميّزة، سواءً من حيث البراعة في استخدام اللغة والتصوير والتعبير، أم من حيث الجودة الفنّيّة للنصّ.
إضافة إلى ذلك، يسعى المنهج الأسلوبيّ إلى تحرير النصّ من سياقاته الخارجيّة وشروطه الإبداعيّة، وذلك عندما يتعلّق الأمر بالشعر المعاصر الّذي يتميّز بكسر الأنظمة والقواعد الشعريّة المعروفة، ويهدف إلى فهم النصّ بشكل مستقلّ عن السياق الزمنيّ والثقافيّ، وتحليل العناصر الداخليّة للنصّ بدقّة وتفصيل.
الدّراسة
تعريف المناسبة لغة: عند الرجوع إلى قواميس اللغة العربيّة، نجد أنّ هناك تعريفات متعدّدة للمناسبة، منها: “النون والسين والباء كلمة واحدة تربط شيئًا بشيء، ومنه سُمّي النسب لاتّصاله به” (فارس، 1979).
وفي لسان العرب “نسب: النسب: نسب القرابات، وهو واحد الأنساب. ابن سيده: النسبة والنسبة والنسب: القرابة، وقيل: هو في الآباء خاصّة، وقيل: النسبة مصدر الانتساب، والنسبة: الاسم. التهذيب: النسب يكون بالآباء، ويكون إلى البلاد، ويكون في الصناعة” (ابن منظور، 2003).
وفي تاج العروس من الفعل “نسب” أي الصلة بين شيء وآخر ومنه “نسب” سُمّي بذلك بسبب الاتّصال بعض المشاكل والأساليب (الرازي، 1979).
كما بيّن الزركشي: “واعلم أنّ المناسبة علم شريف تُحرّر به العقول ويُعرف به قدر القائل فيما يقول. المناسبة في اللغة: المقارنة وفلان يناسب فلانًا، أي: يقرب منه ويشاكله، ومن النسيب الّذي هو القريب المتصل؛ كالأخوين وابن العمّ ونحوه، وإن كانا متناسبين أي يوجد رابط بينهما، وهو القرابة (الزركشي) “.
كما عُرّفت بأنّها: “الرابطة بين شيئين بأيّ وجه من الوجوه (الوحيدي)”.
وتُعرّف المناسبة بأنّها: “ترتيب المعاني المتآخية الّتي تتلاءم ولا تتنافر (النويري)”.
يتبيّن للباحث من المعاني السابقة أنّ كلمة المناسبة تحمل معاني متعدّدة، وقد تأتي من الارتباط والتداخل، ومعنى المشكلات والتشابه.
المناسبات في الاصطلاح
أمّا المناسبة في الاصطلاح، فهي محدّدة على النحو التالي:
“علم المناسبات أحد العلوم الّذي يُعرف من خلاله العلل وترتيب الأجزاء، هو ارتباط آيات القرآن الكريم ببعضها البعض، حيث تكون كلمة واحدة نسقة المعنى، منتظمة المبنى” (الزركشي).
كما يُعدّ شعر المناسبات من أنواع الشعر الّتي نالت اهتمامًا كبيرًا من النقّاد والباحثين في مجال الأدب، وقد وُجد هذا النوع من الشعر في الأدبين الغربيّ والعربيّ، حيث تغنّى الشعراء فيه في سبيل تأكيد التفوّق أو الحصول على مكاسب معيّنة.
وقد اعتنى عدد كبير من الباحثين بتعريف شعر المناسبات، ومن هنا تمّ تعريفه بأنّه: “الشعر المقترن بمناسبة ما، قد تكون مناسبة دينيّة، أو قوميّة، أو وطنيّة، بحيث يكون له معنى ومدلول ومغزى خاصّ، وغالبًا ما يظهر في مناسبات كالأعياد والزواج وغير ذلك” (سليمان).
ومن التعريفات الأخرى له أنّه:”تلك الأشعار الّتي تُقال في مناسبات عامّة أو خاصّة، أو من مواقف حياتيّة تستدعي وجود القول الشعريّ” (الشوكبي).
كما عُرّف بأنّه: “الشعر المعبّر عن القيم العليا للإنسان، ويكون ومقرونًا بمناسبة اجتماعيّة أو سياسيّة أو احتفاليّة (السيد).“
ويمكن القول إن شعر المناسبات هو الشعر الذي يؤلفه الشعراء في مختلف المناسبات، ويهدف إلى تحقيق أهداف محددة. ويُعدّ هذا المصطلح من المصطلحات النقدية المهمة التي ركز النقاد على توضيحها في كتاباتهم.
البنية الصوتيّة في اللغة
البنية الصوتيّة عنصر أساسيّ في اللغة، وتُعدّ الشريان الحيوي لها، وقد أنفق العلماء سنوات عديدة في دراسة الصوت، وبذلوا جهودًا كبيرة في فهمه وتحليله. ومن بين هؤلاء العلماء علماء العربيّة، مثل الخليل بن أحمد الفراهيديّ (ت 170هـ) الّذي أعدّ معجمًا يستند إلى القوانين الصوتية للغة العربية، وهو معجم “العين”. وكذلك العلامة أبو الفتح عثمان بن جنّي (ت 392م) الّذي ألّف أوّل كتاب متخصص في دراسة الصوتيّات، بعنوان “سر صناعة الإعراب”.
وبفضل هذه الجهود العلميّة، حقق علماء العربية تقدمًا كبيرًا في دراسة الصوتيّة واستحقّوا التقدير والاعتراف بهذا الجهد الرائع. وقد أشاد بهم المستشرق براجيشتراسر في كتابه “التطور النحويّ” حيث قال: “لم يسبق الغربيين في هذا العلم إلا قومان من أقوام الشرق، وهما أهل الهند والعرب (براجيشتراسر، 1994)”.
وقد أدرك العلماء القدماء أهمّيّة الصوت وفائدته، حتّى وصلوا إلى أنّ اللغة كأداة تعبيريّة، تستخدمها الشعوب لتعبّر عن أفكارها وأهدافها. قال ابن جنّي: “اللغة أصوات يُعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم (ابن جني).
ويجب فهم معنى الصوت اللغويّ، فالصوت اللغويّ: “هو ذلك الأثر السمعيّ الحاصل من احتكاك الهواء بنقطة ما من نقاط الجهاز الصوتيّ، عندما يحدث في هذه النقطة انسداد كامل أو ناقص ليمنع الهواء الخارج من الجوف من حرّيّة المرور، مثل الباء الّتي هي نتيجة انسداد كامل في الشفتين، ومثل السين الّتي هي نتيجة انسداد ناقص في أطراف الأسنان (الأنطاكي)”.
فالصوت يُعدّ رمزًا يُعبّر عن معاني المتحدّث وأهدافه، ولكن لا يكفي أن يكون الصوت وحده قادرًا على نقل المعنى أو الدلالة. بل يجب أن يتمّ ذلك داخل نظام لغويّ محدّد يحدّد قوانين اللغة وشروطها. هذه القوانين والشروط يتمّ تطويرها من قبل أهل اللغة والمتخصّصين في هذا المجال. وبناءً على هذه الشروط، قد يكون للأصوات معنى في سياق معيّن وقد لا يكون لها معنى في سياق آخر.
فذهب العالم اللغويّ الغربيّ فرديناند دي سوسير إلى النظر في اللغة أنّها نظام من الرموز الصوتيّة الّتي تحمل معاني ودلالات يصدّرها المتحدّث لتصل إلى المستمع. يتمّ تنظيم هذا النظام من خلال توزيع دقيق ومحدّد لوحدات الصوت وفقًا لسياقات اللغة، وتشمل هذه الوحدات أصوات الكلام والسمات الصوتيّة والفونيمات، وتعتمد على فكرة الهيكل الصوتيّ الصحيح (جونز، 2009).
الصوائت والصوامت ودلالتها عمومًا
قبل أيّ شيء، علينا أن نبدأ بتعريف الصوائت والصوامت، قسم المحدّثون الأصوات: الصوائت والصوامت، وذلك نظرًا إلى اختلاف هيئة خروجها.
وقد عرّف المحدثون الصّوت الصّائت بأنّه “الصّوت المجهور الّذي يحدث في تكوينه أن يندفع الهواء في مجرى مستمرّ خلال الحلق والفم وخلال الأنف معهما أحيانًا، من دون أن يكون ثمّة عائقٌ يعترض مجرى الهواء اعتراضًا تامًا أو تضييق مجرى الهواء من شأنه أن يحدث احتكاكًا مسموعًا (السعران) “، باستخدام هذا التّعريف لأحرف اللغة العربيّة، نستنتج أنّ هناك ثلاثة أحرفٍ صائتةٍ في اللغة العربيّة. تُسمّى هذه الأحرف بالحركات الفتحة والضّمّة والكسرة. تتولّد بسبب هذه الحركات حالات الطّول والإشباع لبعض الأحرف، مثل الألف في كلمة “جاء”، والواو في كلمة “يدعو”، والياء في كلمة “قيل”.
والأصوات الصّامتة أو الساكنة هي الأصوات “الّتي يقوم عائق في جهاز النّطق عند النّطق بها، فيتخطّى الهواء الخارج من الرّئتين هذا العائق (يعقوب) “، وهو الصوت المجهور أو المهموس الّذي يحدث أثناء نطقه انسدادًا أو عائقًا في مجرى الهواء، وقد يكون انسدادًا كلّيًا أو جزئيًا. فمن الصوامت التامّة (الدّال)، ومن الصوامت الجزئيّة (النون) (بشر، 2000) ، وقد أشار إبراهيم أنيس إلى ذلك، واعتبر الجهر والهمس من الخصائص التي يتميز بها الصوت الصامت عن نظيره الصائت، إذ يقول: “الأصوات الساكنة ينحبس معها الهواء انحباسًا محكمًا فلا يسمح له بالمرور لحظة من الزمن يتبعها ذلك الصوت الانفجاريّ، أو يضيّق مجراه فيّحدث النفس نوعًا من الصفير أو الحفيف (حجازي) “.
والأصوات الصّامتة في اللّغة العربيّة في مستواها الفصيح هي الهمزة القطع والباء والتّاء والثّاء والجيم والحاء والخاء والدّال والذّال والرّاء والزّاي والسّين والشّين والصّاد والضّاد والطّاء والظّاء والعين والغين والغاء والقاف والكاف واللّام والميم والدّال المشدد والهاء وأخيرًا الواو والياء إذا لم تكونّا حرف مدّ ولين (السعران).
صفات الصوامت
الصوت يتميّز بخصائصه المميزة، سواء كان من همس أو جهر، وشدة أو رخاوة، واستعلاء أو استفال وإطباق أو انفتاح، وغير ذلك من الصفات الّتي تحدّد حالة الصوت عندما يتمّ نطقه (السعران). وفي هذا الفصل سنركّز فقط في دراسة بعض من صفات الصوامت، منها: الجهر والهمس.
فالجهر (Voice) هو انحباس النفس عند النطق بالحرف، حيث يتمّ الاعتماد بشكل قويّ على المخرج لإنتاج الصوت (عليمات، 2000). ويعتقد ابن جنّي (ت 392) أنّ الحروف المجهورة هي الحروف الّتي يتمّ الاعتماد عليها بقوّة في موضعها، وتمنع النفس من التدفّق معها حتّى ينتهي الاعتماد ويتمّ توليد الصوت. ومع ذلك، قد يتمّ الاعتماد على الميم والنون في الفم والخياشم لإنتاج صوت غني بهما (جني، سر صناعة الإعراب، 1993). والحروف المجهورة في اللغة العربية هي: (ا، ب، ج، د، ذ، ر، ز، ض، ط، ظ، ل، م، ن، ق، و، لا، ي).
أمّا الهمس (Whisper) فهو جريان النفس عند النطق بالحرف، حيث يكون الاعتماد على المخرج ضعيفًا. ويقول ابن جنّي (ت 392) أنّ الحروف المهموسة هي الحروف الّتي يكون الاعتماد عليها ضعيفًا في موضعها، حتّى يتمّ جريان النفس معها. ومن الممكن تكرير الحرف مع جريان الصوت نحو سَسَسَ، ولكن إذا تمّ استخدام الحرف المجهور لن يكون ذلك ممكنًا جني، سر صناعة الإعراب، 1993). وعدد الأصوات المهموسة عشرة، وهي تُجمع تحت قولهم “فحته شخص سكت”. ويتميّز الصوت المهموس بأنّ الوترين الصوتيين لا يهتزّان أثناء النطق به.
سادسًا: دراسة نماذج لصفات الهمس والجهر في شعر المناسبات عند عمر أبو ريشة
في شعر المناسبات، كان الشاعر عمر أبو ريشة يتألّق بأسلوبه المتميّز والمعبّر عن الأحداث الاجتماعيّة والسياسيّة الّتي تحصل في مصر والقدس خاصّة، والعالم العربيّ عامّة. حيث كان يوظّف شعر المناسبات ليعبّر عن أفكاره وذاته الشعريّة في هذه المناسبات، سواء كانت احتفالات وطنيّة أم احتفالات بالذكرى.
وكانت أغلب قصائد عمر أبو ريشة في شعر المناسبات وطنيّة أو قوميّة، كان يذكر القدس، لأنّها كانت دائمًا حاضرة في وجدانه، حيث كان ينتقد بشجاعة الظلم والفساد ويدعو إلى العدالة والحرّيّة. كان يجمع بين الروحانيّة والواقعيّة في قصائده، ما جعلها تتمتّع بجاذبيّة خاصّة، وذات تأثير قويّ على القرّاء. لذلك سوف نتطرّق إلى الحديث عنه وعن أسلوبه الشعريّ في شعر المناسبات، من خلال دارسة بعض النماذج من قصائده وتحليلها، من حيث الهمس والجهر.
نموذج1: قصيدة حكاية سمار
إنّ الشاعر عمر أبو ريشة يتميّز بقدرته على تصوير القصائد الشعريّة المعنيّة بالمناسبات، ومن هذه القصائد سوف نقوم بتحليل مقطوعة من قصيدة “حكاية سمار”، وهنا نجد الشاعر يصوّر الأجواء الاحتفاليّة والذكريات بطريقة ملحميّة وشاعريّة. حيث يستخدم هذه المقطوعة للحروف الصامتة بشكل متقن لإضافة لمسة عميقة إلى النصّ الشعريّ، كما أنّها تعكس ترقّبات الشاعر وتُعزّز من جمال القصيدة وإحساسها. فيقول: [من الكامل]
مجنحُ الحرفِ الحرون ومرقصُ الـ الذّكريــــات على الزحــام تدافعَـــت فـلأيَهــــا تُـومي براحــــةِ تـــــــائبٍ فهصــــرت زهرتَها بدمعةِ شـــــاكرٍ ولكم تخطّفَـــك الخيـــــال فعدت بالـ عمـــــر ونعـــم يا خيـــــام تـلـفّــتي عرفتـــك دنيــا البغي صرخة نـــاقمٍ فهـــززت عــزمة كلّ وانٍ متعــــبٍ |
تــرِ الحنـــونِ على أناملِ ســــاحرِ كأنهــنّ لديــــك سـربُ ضـرائــــرِ ولأيهـــا ترنـــــو بمقــــلةِ غافـــــــرِ وعصـــرت شوكـَتهــا ببسمةِ صابـرِ عشّـــــاق من حرمِ الزّمانِ الغــــابرِ صوب العـبيـــرِ ويا نجوم تسـامرِي يزري بهيـبتهـا وغضبـــــــة ثـــائـرِ وأثــــرت نخـــوةَ كلّ عــــــان سادرِ |
من خلال هذه الأبيات نلاحظ غلبة حروف الجهر في هذه القصيدة:
حرف الراء والواو واللام على باقي الحروف، بحيث تكرّر حرف الراء ثمانية وعشرين مرّة، وحرف الواو سبع عشرة مرّة، أمّا حرف اللام فقد تكرر ستًّا وعشرين مرّة على النحو التالي:
بالنظر إلى هذه المقطوعة، نلاحظ أنّ صوت الراء احتلّ أعلى نسبة فيها، حيث تواتر 28 مرّة. كما يتميّز هذا الصوت بنوعيّة التكرار، ما يجعل الشاعر مستغلًا الإيحاء الصوتيّ في تهيئة ما يحصل من استمرار القول المعبّر عنه (ساحر- ضرائر- غافر- شاكر- صابر- الغابر- ثائر- سادر…)، لأنّ صفة التكرار في صوت “الراء تكسب أيضًا الاستمرار والتواصل الدلاليّ بين عنوانها وبقيّة أجزائها، واستمرار حالة التفاؤل بالغد (البرسيم، 2000) “.
من الصوامت المجهورة كذلك، نجد أنّ صوت اللام احتلّ المرتبة الثانية، حيث تواتر26 مرّة، فصوت اللام “يتميّز بصفة التماسك والالتصاق، وذلك بالتصاق طرف اللسان باللثة (الموسوي)”. عند النطق به يتجسّد مدى تعلّق الشاعر بأرضه وبحقّه، لأنّ التعلّق بالأرض والتشبّت بها ينبع من العزيمة والإصرار، كما أنّه يحمل معاني لفظيّة ودلاليّة في بعض الأماكن، بينما يكون بسيطًا في الأماكن الأخرى، وقد أتى في العبارات التالية (أنامل- لديك- بمقلة- الخيال- تلفتي) وكان أثره ظاهرًا ومفهومًا فيها (الحرف، الحروف، الحنون، الزحام، الخيال، الغابر، العبير، الزمان، البغي) والباقي كان طبيعيًا، حيث كان حرف اللام فيها ساكنًا، وهذا السكون يوضّح اهتمام الشاعر بهذه العبارات لأنّه من الأصوات الّتي تقع على السمع، ولا نشعر بأهمّيّة اللفظة في البيت، والغاية من وجودها في هذه الأبيات الّتي تعطي قوى، وتزداد هذه القوى من خلال اندماجها والتصاقها الوثيق، وهذا ما نستنتجه في بعض الأبيات الشعريّة من الالتصاق المتماسك، حتّى نتخيّل أنّ الشاعر ليس شاعرًا، بل هو مصوّر.
وبعد صوت اللام يأتي صوت الواو، حيث تواتر17مرّة، فهو من الصوامت المجهورة، والجهر يُعبّر عن الانفعال والغضب اللذين يعتريان حالة الشاعر، وهذا الصوت رسم الحصار الخانق الّذي يكمن في قلب الشاعر من ثقل وألم، ففي استدارة الشفتين عند النطق به (إبراهيم)، فإنّ الحصار والانغلاق يُزوّد مخرجه – شفويّ (تمام)- لوضوح تلك الآلام المرتكبة عليه فنجد مثلًا (الحرون- تومي- ترنو- شوكتها- نخوة- نجوم)، كما أنّ صوت “الواو” ورد بصورة كبيرة كحرف عطف تتبيّن وظيفته “في سبك النصّ، وترابط وحبك ووصل وتوازٍ؛ ليدلّ على الربط والانتقال بين الجمل وأحداثه” (الضالع، 2003).
كما يمكننا ملاحظة تكرارات لبعض الحروف، وهو ما يعكس أهمّيّتها في هذا النصّ الشعريّ، نشير إلى الحروف التالية:
– الحرف “م” يتكرّر بشكل ملحوظ، وهو يمكن أن يرمز إلى المشاعر العميقة أو الشخصيّة المؤثّرة.
– الحرف “ن” موجود أيضًا بتكرار، وقد يُظهر النضج والثبات، وقوة الشخصيّة.
هذا التحليل للحروف الأكثر تواترًا، والأقلّ تكرارًا يُمثّل رؤية شخصيّة، ويمكن أن تختلف التفسيرات وفقًا للقراءة الفرديّة والسياق الشعريّ بشكل عامّ.
وبالنّسبة إلى الأصوات المهموسة، نلاحظ أنّ حرف التاء تواتر بشكل ملحوظ في هذه القصيدة، حيث بلغ عدد الحروف (22 حرفًا)، يأتي حرف التاء هنا بمعانٍ رمزيّةٍ ومهمّةٍ. يُستخدم هذا الحرف لإيصال الفكرة العميقة إلى الشاعر ومعانيه الشخصيّة في القصيدة. حيث يُستخدم حرف التاء للتعبير عن المحاولة اليائسة للبحث عن الحقيقة والجواب النهائيّ في وسط الظلام والغموض.
يُظهر الشاعر في قصيدته التساؤلات العميقة والشكوك الّتي تحيط بالإنسان وعقله، ويُستخدم حرف التاء كوسيلة للتعبير عن هذا الاستفهام، والبحث الدائم عن الحقيقة والمعنى الحقيقيّ للوجود.
بهذا الشكل، يبرز حرف التاء في قصيدة “حكاية سمار” كحرف مهم يحمل معاني عميقة، ويُسهم في نقل فلسفة الشاعر ورؤيته الشخصيّة بشكل دقيق وجذّاب. يمكن أن يكون حرف التاء رمزًا للتنوّع والتغيير، وقد يرمز أيضًا إلى التطوّر في الحياة، أو الوقوف أمام قرار يتطلّب التفكير العميق. كما يضيف لمسة من الجمال والفخامة على الشعر، ويساهم في إبراز النبرات الدقيقة والمشاعر العميقة الّتي يحملها الشاعر في قصيدته.
وبعد صوت التاء، يليه صوت الفاء والهاء بنسبة متقاربة حيث تكرّر حرف الهاء (9 مرات) في القصيدة، أمّا حرف الفاء فقد تكرّر (11 مرة). حيث يظهر حرفا الهاء والفاء بشكل بارز، ويؤدّيان دورًا هامًا في تأثير القصيدة وإيصال معانيها. تنتمي هذه القصيدة إلى الشعر الحديث الّذي يتميّز بتوجّهه الحديث والتأمّليّ نحو الواقع والحياة.
إنّ وجود حروف الهاء والفاء في القصيدة يعطي انطباعًا من الرقّة، والجمال، والعمق، ويزيد في وقعها الشعريّ وجاذبيّتها على القارئ. فحرف الهاء ينتمي إلى الحروف الحنجريّة الرخوة المهموسة، فهو حرف يخرج من أعماق الجهاز الصوتيّ، وهذه دلالة على الحنين والشوق الغامر، والمحيط بالشاعر في هذه القصيدة الّتي تحمل رسالة إنسانيّة تعبّر عن تقاليد جيل الشاعر وقيمه وتراثه الثقافّي (فهززت، بهيبتها، لأنّها ترنو، دمعتها، شوكتها…)، أمّا من حيث احتكاك حرف الهاء، فهو غالب التأثّر بما يجاوره من فونيمات إلى درجة القول إنّه صوت لا يستطيع حمل شخصيّة خاصّة به (إبراهيم، مدخل في الصوتيات). بينما تقوم الأبيات الشعريّة على إبراز شخصيّة الشاعر القويّة، لوصف ما بذل من جهد وتحمّل الإحساس بالشوق الّذي ملأ صدره.
أمّا صوت الفاء فهو: “صوت يحدث عند ضغط الشفة العليا، بحيث يسمح للهواء بأن يشق طريقه بينهما من خلال الثنايا” (السعران) ، في القصيدة المذكورة، تُستخدم الفاء للتعبير عن حالة الشاعر ومشاعره. حيث تظهر الفاء في الكلمات الّتي تصف حالة الشاعر والأفكار المتضاربة في داخله. إذًا يُعدّ حرف الفاء من الحروف الّتي استخدمها الشاعر للتعبير عن حالة داخليّة تتكوّن في داخله.
نموذج (2): قصيدة “عرس المجد” هي قصيدة وطنيّة تُعبّر عن حبّ الوطن والتمسّك بالتراث العربي، وتتناول قصة الاحتفال الوطن بعرسه وتحقيق الكرامة والنصر، وتصوّر القصيدة الأوطان وهي تحتفل بالحرية والاستقلال، وعكس روح الوحدة والتضحية من أجل الوطن، فيقول فيها: [من الرمل]
أينَ في القــدسِ قلوبٌ غضّـــةٌ لم تلامسْهـا ذُنَـــــــابى عقربِ
وقف التّـــاريخ في محـــرابها وقـــفة المرتجف المضطـربِ
كم روى عنها أناشيــــدَ النّهى في ســماعِ العالمِ المستغــربِ
أيّ أنشــــودة خزيٍ غـصّ في بثِـــها بيـــن الأسى والـكــربِ
ما لأبنـــاءِ السّبايــــا ركبُــــوا للأماني البيضِ أشهى مركـبِ
ومتى هــــزّوا علينــــا رايـــةً ما انطوَت بين رخيص السّلبِ
ومن الطـــاغي الّذي مدّ لهـــم من ســراب الحقّ أوهى سببِ
أو ما كنّــــــا له في خطبـِـــــهِ معقـــــلَ الأمن وجسر الهربِ
ما لنـــا نـلـــــمحُ في مشيــــتِهِ مخــــلبَ الذّئبِ وجلدَ الثعــلبِ
قصيدة “عرس المجد” للشاعر عمر أبو ريشة تُعدّ واحدة من أبرز القصائد الّتي تعبّر عن المواقف الوطنيّة والمناسبات الهامّة. في هذه القصيدة، يتّضح وجود حروف مجهورة معيّنة تتكرّر بشكل مستمرّ، هي أحرف الباء والميم واللام. صوت اللام كان أكثر تكرارًا في هذه المقطوعة، فقد تكرّر35 مرّة، ليدلّ على التعبير عن الانتماء والوفاء بالأرض والوطن، وعلى الحنين والحبّ للمكان والثقافة الفلسطينيّة، ولقد كانت له الأكثريّة الغالبة في هذه القصيدة من حيث التكرار، ويليه صوت الباء فقد تكرّر٢٣ مرّة، حيث كان حرف الرويّ الأساسيّ لهذه الأبيات الشعريّة (المضطرب، عقرب، الكرب، السلب، سبب، الهرب، الثعلب…)، ليدلّ على التعبير عن البغض والانتقاد، وعلى التأكيد على الظلم والاستبداد الّذي حلّ بأهل القدس. يعكس حرف الباء تحوّل الغضب والاستياء إلى كلمات قويّة وانفجاريّة، تُعبّر عن الحزن واليأس من الوضع الراهن الّذي يعيشه أهل القدس. أمّا صوت الميم فقد تكرّر25 مرّة فهو صوت “شفويّ أنفيّ مجهور مرفق متوسّط بين الشدّة والرخاوة”. ليعطي إيحاء بالمقاومة والصمود، حيث يرمز حرف الميم في الأدب العربيّ إلى الصمود والقوّة. تكرار حرف الميم في القصيدة يُعزّز الصورة البطوليّة والقويّة الّتي يحاول الشاعر توصيلها، ويعكس أيضًا عمق الاحتجاج والاستنكار في وجه الظلم والاضطهاد.
يمكننا توجيه الضوء على بيت من الشعر المناسب للمناسبات والأعياد:
“أندلسَ يا جنّةَ الفردوسِ ** ما أجمَلَكِ مِن مدائنَ وبساتينِ”
هذا البيت يُعبّر عن فرحة المناسبات وبهجتها، ويظهر جمالية الأوطان والمدائن الخلابة، ويعكس الحب والولاء للأرض والوطن.
بهذه الطريقة، تجمع قصيدة “عرس المجد” بين تميّز أسلوبها وعمق معانيها، وتُبرز دور الشاعر في تجسيد الوطنيّة والإبداع في قصائده.
كما تتألّق الحروف المهموسة في هذه القصيدة الّتي تضيف إلى جماليّة القصيدة، وتُعزّز من تأثيرها على القارئ. من بين الحروف الأكثر تكرارًا في هذه المقطوعة الهمزة والهاء، وكانا متساويين من حيث التكرار فقد تكرّرا 12 مرّة، فالهمزة من الحروف الانفجاريّة المجهورة، ويدلّ حرف الهمزة في هذه المقطوعة على حالة الغضب والاستياء من الوضع الظالم الّذي يعيش فيه الشاعر والمواطن العربيّ، وعلى عدم القدرة على التعبير بحرّيّة وبوضوح عن الظلم والقهر الّذي يعانونهما. يعكس حرف الهمزة هنا الحسرة والحنين لحقوق الإنسان الّتي تمّ الحرمان منها، والتضحية بالكرامة والحرّيّة، من أجل البقاء على قيد الحياة. أمّا صوت الهاء فهو “صوت حنجريّ، رخو مهموس، يتمّ نطقه عند احتكاك الهواء الخارج من الرئتين بالتضييق الحاصل في الأوتار الصوتيّة، فيُحدث حفيفًا في أقصى الحلق” (الموسمي)، إذًا فمخرج هذا الحرف من أقصى الجهاز الصوتيّ يعكس حالة الحزن والألم الّتي يعيشها الشاعر أثناء وصفه للأوضاع الصعبة الّتي تمرّ بها القدس، ويعكس أيضًا الضعف والقلق اللذين يشعر بهما الشاعر تجاه ما يحدث في تلك الأرض الطاهرة. هذا الاستخدام المتكرّر لحرف الهاء يُعزّز من مشاعر الاستياء والتأثّر الّتي يريد الشاعر إيصالها إلى القارئ، ويجعل القصيدة أكثر تأثيرًا وعمقًا.
بشكل عام، تضيف الحروف المهموسة إلى جمال اللغة الشعريّة، وتُعزّز من تأثير القصيدة على القارئ، يتميّز كلّ حرف بدلالة خاصّة ومعنى محدّد، وتُسهم في خدمة المعنى وتعزيز الجاذبيّة الشعريّة للقصيدة.
الخاتمة
يتضح أن شعر المناسبات، كما يظهر في أعمال الشاعر عمر أبو ريشة، يُعتبر نافذة غنية تلقي الضوء على التداخل المعقد بين اللغة والثقافة والمجتمع. تعكس الأصوات الصائتة والصوامت في شعره مشاعر إنسانية عميقة، وتُعبّر عن آمال وآلام المجتمعات في سياقات متعددة. إن استثمار الخصائص الصوتية، مثل الجهر والهمس، لا يضيف بُعدًا جماليًا فحسب، بل يعزز أيضًا معاني الوطنية والإنسانية.
تؤكد هذه الدراسة على دور الفنون الشعرية كأداة قوية للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في تشكيل الهوية الثقافية. إن استكشاف الروابط بين اللغة والفكر والمجتمع لا يثري فقط فهمنا للأدب، بل يُعزز أيضًا قدرتنا على تقدير الجماليات الشعرية كوسيلة للتواصل الإنساني.
في النهاية، يظل شعر المناسبات شعلة مضيئة تعكس تجارب الشعوب، وتؤرخ لحظات التاريخ، وتحتفظ بأصوات الأمل والتحدي، مما يعزز من دور الأدب كمرآة تعكس واقعنا وتساعدنا على فهمه بعمق أكبر.
قائمة المصادر والمراجع
- الأنطاكي، محمد (لا.ت)، المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها،دار الشرق العربي، بيروت، لبنان.
- براجيشتراسر (1994)، التطور النحوي، أخرجه وصحّحه وعلّق عليه رمضان عبد التواب مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، ط2.
- البرسيم، قاسم (2000)،منهج النقد الصوتي في تحليل الخطاب الشعري، دار الكنوز الأدبية، ط1.
- بشر، كمال (2000)، علم الأصوات،دار غريب، القاهرة، مصر.
- ابن جني، أبو الفتح عثمان (1993)، سر صناعة الإعراب، أبو الفتح عثمان ابن جني تحقيق ودراسة: حسن هنداوي، دار القلم.
- ابن جني،أبو الفتح عثمان (لا.ت)، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتب المصرية، مصر.
- جونز، ليون (2009)، اللغة واللغويات، ترجمة محمد العناني، دار حرير، عمان الأردن، ط1.
- حجازي، محمود فهمي (لا.ت)،مدخل إلى علم اللغة، دار قباء، القاهرة، مصر، طبعة منقّحة.
- حور، محمد إبراهيم، (1401ه)، الرثاء والأبناء في الشعر العربي حتى نهاية العصر العربي، أبو ظبي، مكتبة المكتبة.
- الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله (لا.ت)، البرهان في علوم القرآن،تحقيق محمد أبو الفل، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركائه، بيروت، ج1.
- السد، نور الدين، (2007م)، دراسة في التطور الفني للقصيدة العربية حتى العصر العباسي، ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون، الجزائر، ج1
- السعران، محمود (لا.ت)، علم اللغة مقدمة للقارئ العربي، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت.
- سليمان، ميشال، (1980م)، شعر المناسبات بما هو ظاهرة اجتماعية، مجلة الفكر العربي المعاصر، بيروت.
- الضالع، محمد صالح الضالع (2003)، الأسلوبية الصوتية،دار الغريب، القاهرة.
- عليمات، غازي مختار (2000)، في علم اللغة، دار طلاس للنشر والترجمة والنشر، دمشق، سوريا.
- القرطاجني، حازم (لا.ت)، منهاج البلغاء وسراج الأدباء،تحقيق: محمد الحبيب بن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بیروت.
- القزويني، أحمد بن فارس بن زكريا الرازي (1979)، معجم مقاييس اللغة،تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، بيروت، ج5.
- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (2003)، لسان العرب،دار صادر، بيروت.
- الوحيدي، عامر، المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها، دراسة تطبيقية من سورة الواقعة إلى نهاية سورة التحريم،رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الإسلامية غزة، فلسطين.
- النويري، أحمد بن عبد الوهاب النويري شهاب الدين، (1473ه)، نهاية الأرب في فنون الأدب، تحقيق مفيد قميحة وآخرون، القاهرة: دار الكتب والوثاق القومية، ج 7.
حقوق النشر © محفوظة لمجلة الضاد الدولية – العدد السابع، حزيران 2025.
يُمنع إعادة نشر هذا البحث أو نسخه أو استخدامه لأغراض تجارية أو إعادة توزيعه كليًا أو جزئيًا بأي وسيلة، من دون إذنٍ رسمي وخطي من إدارة مجلة الضاد الدولية حصراً.
تنويه مهم:
يُسمح بالاستشهاد العلمي من هذا البحث، سواء بالنقل الحرفي القصير ضمن علامات تنصيص، أو بإعادة الصياغة،
وذلك ضمن الأطر الأكاديمية المعترف بها، وبشرط الالتزام الكامل بقواعد التوثيق العلمي وذكر المرجع بشكل صحيح
(اسم المؤلف، عنوان البحث، المجلة، العدد، تاريخ النشر، الصفحات).
إن الاستشهاد العلمي لا يُعدّ انتهاكًا للحقوق الفكرية، بل هو حق مشروع ضمن أخلاقيات البحث العلمي.
لأي استفسار أو طلب إذن رسمي لإعادة استخدام المحتوى، يُرجى التواصل مع إدارة المجلة عبر البريد الإلكتروني:
📩 Dhadinternationaljournal@gmail.com
الموقع الإلكتروني للمجلة: dhadinternationaljournal-hss.com