دور المصرف الإسلاميّ في التّطوير الإنسانيّ

 

 

 

📘عنوان البحث: دور المصرف الإسلاميّ في التّطوير الإنسانيّ

✍المؤلف: أ. أحمد ياسين جياد، إشراف أ. وائل الدبيسي

📖 المجلة: مجلة الضاد الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية

📚 العدد: 7

📆 تاريخ النشر: حزيران 2025

📄 الصفحات: 207-225

🏛 دار النشر: دار البيان العربي

ملخّص الدّراسة

تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على دور المصارف الإسلامية في مجال تطوير الموارد البشرية، وذلك انطلاقًا من الحاجة الملحّة إلى كفاءات مصرفية قادرة على المواءمة بين المهارات المهنية ومتطلبات الشريعة الإسلامية، بما يخدم جودة الأداء المصرفي ويضمن استدامته. وتأتي أهمية الموضوع من كون العنصر البشريّ هو العمود الفقريّ لأي مؤسسة ناجحة، ويُمثّل تطويره بوابة رئيسة لنهضة العمل المصرفي الإسلامي وتقدّمه.

لقد اعتمدت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي لرصد المفاهيم ومتابعة المؤشّرات وتحليلها في سياقها الواقعي، والمنهج المقارن لتحديد أوجه التمايز بين الممارسات التقليدية والإسلامية في مجال إدارة الموارد البشرية وتطويرها.

تشير الدراسة إلى أن المصارف الإسلامية تواجه تحديات متعددة، منها القوانين والأنظمة المصرفية السائدة التي قد تحد من قدرتها على التطور، إضافة إلى العقليات الاجتماعية التي قد تميل إلى التعامل مع المصارف التقليدية بالرغم من تحريم الربا.

وقد توصلت الدراسة إلى جملة من النتائج التي تؤكد أن الالتزام بمقاصد الشريعة الإسلاميّة لا يتعارض مع مفاهيم التطوير المؤسسي، بل يُعزّزها، وأن اختيار العنصر البشري المناسب وتأهيله بشكل متكامل علميًا وشرعيًا ينعكس إيجابًا على جودة الخدمة المصرفية. كما بيّنت الدراسة أنّ المصرف الإسلامي لا يُعدّ مجرّد وسيط مالي فحسب، بل يمكن أن يكون حاضنة تنموية تسهم في بناء الفرد وتطويره ضمن بيئة عمل توازن بين الكفاءة والالتزام.

وانطلاقًا من هذه النتائج، توصي الدراسة بضرورة إدماج مفاهيم التطوير الإنساني في البنية الاستراتيجية للمصارف الإسلامية، وبتفعيل برامج التدريب المستمر التي تُعنى ببناء قدرات العاملين وتزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة، إلى جانب تكثيف التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والمراكز الشرعية لضمان جودة الكادر البشري من حيث التكوين المعرفي والسلوك المهني. كما تؤكد الدراسة أهمية استحداث آليات رقابية فعّالة لمتابعة الأداء وضمان توافقه مع المقاصد الشرعية ومتطلبات السوق، بما يحقق الإفادة المتبادلة بين العامل والمصرف، ويضمن استمرار النشاط المصرفي الإسلامي في بيئة تنافسية تتّسم بالديناميّة والتجدد.

الكلمات المفتاحية: المصرف الإسلامي،  الموارد البشرية،  التطوير الإنساني، النظام المصرفي، الكفاءة،  الشريعة الإسلامية.

 

Abstract

This study aims to shed light on the role of Islamic banks in the development of human resources, driven by the urgent need for banking professionals capable of aligning their expertise with the requirements of Islamic Shariah, thereby enhancing banking performance quality and ensuring its sustainability. The significance of the topic lies in the fact that human capital is the backbone of any successful institution, and its development serves as a primary gateway to the advancement and renaissance of Islamic banking.

The study adopted the descriptive analytical method to examine concepts, monitor indicators, and analyze them within their real context, alongside the comparative method to identify distinctions between traditional and Islamic practices in human resource management and development.

The study indicates that Islamic banks face various challenges, including prevailing banking laws and regulations that may limit their capacity for development, in addition to social mindsets that may prefer dealing with conventional banks despite the prohibition of usury.

The findings confirm that adherence to the objectives of Islamic Shariah does not conflict with institutional development concepts; rather, it reinforces them. Selecting the appropriate human resources and comprehensively qualifying them both academically and in Shariah knowledge positively reflects on the quality of banking services. Moreover, the study highlights that an Islamic bank is not merely a financial intermediary but can also serve as a developmental incubator that contributes to individual growth within a work environment balancing competence and commitment.

Based on these findings, the study recommends integrating human development concepts into the strategic framework of Islamic banks and activating continuous training programs that focus on building employees’ capacities and equipping them with necessary knowledge and skills. It also stresses the importance of intensifying collaboration with academic institutions and Shariah centers to ensure the quality of human resources in terms of knowledge and professional conduct. Furthermore, the study emphasizes establishing effective monitoring mechanisms to oversee performance and ensure its compliance with Shariah objectives and market requirements, thus achieving mutual benefit between the employee and the bank, and guaranteeing the sustained operation of Islamic banking in a dynamic and competitive environment.

Keywords: Islamic banking – Human resources – Human development – Banking system – Competence – Islamic Shariah.

 

 

مقدّمة الدّراسة

لا شكّ في أنّ المشاكل الماليّة والاقتصاديّة الّتي واجهت الإنسان منذ أقدم العصور، قد دفعته إلى البحث عن أنظمة وأطر نظريّة؛ بغية حلّ تلك المشاكل، ومن المؤكّد أنّ شكل هذه المشاكل لم يبق ثابتًا عبر العصور، بل اختلف بين الأجيال، وبالنّظر إلى تعدّد المشاكل وأنواعها، ظهر الكثير من الأنشطة المصرفيّة وتنوّع مراحلها، حتّى وصلت إلى الشّكل الحاليّ في عصرنا هذا.

وعلى الرّغم من انعدام التّرابط، ما بين أشكال النّشاط الماليّ، بين الأجيال القديمة والأجيال المعاصرة، لكن لا بدّ من استيعاب التّطوّر الزّمانيّ الّذي مرّ به النّظام المصرفيّ، فقديمًا لم يشهد النّشاط المصرفيّ أي تعقيد، بخلاف عصر النّهضة الحديثة، حيث النّظام المصرفيّ الحديث من جهة، والمعقّد من جهة أخرى.

هذا، ومن الصّعب بمكان تعيين تاريخ محدّد لنشأة النّظام المصرفيّ؛ كونه وليد ازدهار أعمال زراعيّة وتجاريّة مرتبطة بعمليّات البيع والشّراء والتّبادل، وبالتّالي ظهور النّقود القابلة للتّبادل (حمود، 1982، ص 33).

أمّا في ما يتعلّق بعمل المصرف الإسلاميّ ونشأته، فإنّ بعد بعثة النّبيّ محمّد، ﷺ ، وإرساء قواعد الدّين الحنيف، وجد المسلمون أنفسهم أمام نظام ماليّ جديد، نظام ماليّ يعتمد الحقّ أساسًا له، متمثّلًا في إقامة العدل بين النّاس، وإنهاء كلّ مظاهر الظّلم والاستغلال بإقرار التّعاملات الماليّة الصّحيحة والمشروعة، وإبطال التّعاملات الرّبويّة، وهذه القواعد الشّرعيّة هي أساس البناء الاقتصاديّ السّليم.

فلقد أرسى الدّين الإسلاميّ التّعاملات التّجاريّة، وأساسها البيع والشّراء، كذلك الإقراض والاقتراض، أو ما يُعرف بالوديعة الشّاذّة أو النّاقصة (جمال الدين، 1969، ص 20)، إنّما من دون ربا، يضاف إليها الودائع الّتي كانت نوعًا من حفظ الأمانات المجّانيّ، وما يستلزمه من ردّ عين ما تسلّمه المستأمن، من دون أن يتصرّف به (الحنفي، 1966، ص 161).

وعلى الرّغم من رفض الدّين الإسلاميّ مبدأ الرّبا، إلّا أنّ المصارف الرّبويّة دخلت البلدان العربيّة والإسلاميّة، مرتكزة على الاستعمار الّذي يفرض كلمته على هذه الدّول، استنادًا إلى القوى العسكريّة والاقتصاديّة الكبرى عند هذه الدّول، وتدريجيًّا أصبحت هذه المصارف جزءًا في حياتنا، على الرّغم من خروج الاستعمار الأجنبيّ منذ عقود، فلقد اعتمدت المصارف النّظام الرّبويّ، بغية تحقيق الأرباح السّريعة المضمونة، بغضّ النّظر عن تفاصيل التّعاملات الّتي تتمّ بهذه الأموال (رباح، 2018، ص 15)، متأثّرة في ذلك بالفكر الرّأسماليّ، من دون النّظر إلى الآثار السّلبيّة الّتي يلقيها هذا النّظام على الاقتصاد الحقيقيّ، والعلاقات الاجتماعيّة، وزيادة الفجوة  بين التّعاملات الماليّة  والواقع العمليّ (الرفاعي، 2007، ص 21).

 

إشكاليّة الدّراسة

يشهد القطاع المصرفي في العالم الإسلامي تطورًا متسارعًا نتيجة التحديات الاقتصادية والتقنية المتنامية، وازدياد الحاجة إلى نماذج مصرفية تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية. وعلى الرغم من التقدّم الملحوظ الذي حققته المصارف الإسلامية، فإنها لا تزال تواجه تحديات جوهرية تتعلّق بتأهيل كوادر بشرية تمتلك الكفاءة المهنية والشرعية في آنٍ معًا، وبإيجاد بيئات مصرفية داعمة للتطوير الإنساني المستدام.

وتكمن المشكلة الأساسية في ضعف التكامل بين الهيكلة المؤسسية للمصارف الإسلامية ومفاهيم التنمية البشرية، بما يحدّ من قدرتها على المنافسة وتقديم خدمات عالية الجودة. كما يبرز القلق من قدرة هذه المصارف على الاستمرار والتميّز في ظلّ الأنظمة المصرفية السائدة التي غالبًا ما تنطلق من مرجعيات قانونية واقتصادية مغايرة للمبادئ الإسلامية.

من هنا، تتجلّى الإشكاليّة الرئيسة في السّؤال الآتي:

  • كيف يمكن الارتقاء بمستقبل النّظام المصرفيّ الإسلاميّ في ظلّ القوانين والأنظمة المصرفيّة السّائدة؟
  • ويتفرّع منهذا السؤال مجموعة من الأسئلة الفرعية التي تسعى الدراسة إلى الإجابة عنها:
  • ما هو الأساس الفقهيّ والنّظريّ للنّظام المصرفيّ الإسلاميّ، وما هي طبيعة هذا النّظام؟
  • ما هو دور التّنمية البشريّة في رفد المصارف الإسلاميّة بالخبرات الإداريّة،في ظل الحاجة إلى كوادر مؤهّلة تجمع بين الخبرة المصرفيّة والمعرفة الشّرعيّة؟
  • ما هو دور المصارف الإسلاميّة في التّطوير الإنسانيّ، على مستوى القيم، والخبراتوالمهارات؟

 

فرضيّات الدّراسة

بناءً على تحليل المعطيات واستقراء النتائج، أمكن تقييم فرضيات الدراسة وتحديد مدى دقتها وواقعيتها. فقد تبيّن أن الفرضية الأولى، التي تفترض صعوبة الارتقاء بالنظام المصرفي الإسلامي في ظل القوانين والأنظمة المصرفية السائدة، تحققت جزئيًّا؛ إذ تبرز بعض التحديات التشريعية والتنظيمية التي تحدّ من حرية المصارف الإسلامية في العمل وفق صيغها الخاصة، غير أنّ هذه الصعوبات لا تُعدّ مانعًا مطلقًا، بل يمكن التغلّب عليها من خلال تطوير أدوات العمل المصرفي، واقتراح صيغ قانونية مرنة تراعي خصوصية النظام الإسلامي ضمن الإطار التنظيمي العام.

أما الفرضية الثانية، المتعلقة بأن الأساس الفقهي والنظري للنظام المصرفي الإسلامي يستند إلى قواعد الشريعة الإسلامية من دون تطبيقها الكامل، فقد أكّدتها الدراسة، حيث تبيّن أنّ معظم المصارف الإسلامية تعتمد فعليًّا على المبادئ الشرعية في بنيتها النظرية، إلا أنّ تطبيق هذه المبادئ عمليًّا يظل متفاوتًا بحسب الظروف القانونية والإدارية والبشرية، الأمر الذي يستدعي تعزيز الضوابط الشرعية والتدقيق في مدى التزام المصارف بمقاصد الشريعة لا بمجرد صيغها الشكلية.

وفي ما يتعلّق بالفرضية الثالثة، التي تفترض أن غياب التنمية البشرية يؤدي إلى انهيار المصارف الإسلامية، فقد أظهرت النتائج صدقيتها، إذ يتّضح أنّ نجاح العمل المصرفي الإسلامي لا ينفصل عن وجود كوادر بشرية ذات تأهيل مزدوج، يجمع بين الدراية المصرفية والفهم الشرعي العميق، ما يجعل الاستثمار في رأس المال البشري ضرورة لا ترفًا، ويكشف عن الترابط العضوي بين البنية البشرية وجودة الأداء المصرفي.

أما الفرضية الرابعة، التي ترى أن المصارف الإسلامية بحاجة إلى تقديم التدريب المستمر لكوادرها لاكتساب مزيد من الخبرات، فقد أثبتت الدراسة صحتها بالكامل، إذ إن المصارف التي تبنّت برامج تدريبية واضحة وممنهجة استطاعت تعزيز أداء موظفيها، وتحقيق مستويات أعلى من الالتزام والجودة، وهو ما يدعم توجّهًا استراتيجيًّا يجعل من التدريب ركيزة دائمة في التطوير المؤسسي والإنساني داخل المصارف الإسلامية.


المناهج البحثيّة

اعتمدت هذه الدّراسة المنهج الوصفيّ – التّحليليّ لتحليل الأنظمة الماليّة الخاصة بإدارة المصارف الوضعيّة والإسلاميّة، بهدف فهم أسسها النظرية والفلسفية، ومقارنتها مع بعضها البعض، وذلك لتقييم مدى تحقيقها للأهداف المرجوة في تطوير النظام المصرفي الإسلامي، موضوع الدراسة.

 

الدّراسة

لا شكّ في أنّ العنصر الإنسانيّ هو الأساس الأوّل والأخير لنجاح أيّة مؤسّسة، سواء كانت مصرفيّة وغير مصرفيّة، وذلك من خلال وضع العنصر الإنسانيّ المناسب في المكان الملائم له، عبر التّنسيق بين قدرات الأفراد وخصائص الوظائف. لكن، كيف يمكن تحديد مدى مناسبة العنصر الإنسانيّ للوظيفة الّتي يقوم بها؟ هذا يتطلّب تحقيق أمرين:

الأوّل: إلمامه ببيئة وظيفته ومهامّه، إلمامًا علميًّا وعمليًّا، بما يحقّق له الكفاءة في فهم طبيعة تلك الوظيفة، وما تقتضيه من أعمال.

أمّا الأمر الثّاني فهو الأمانة في أداء العمل، بما يمكّن العنصر الإنسانيّ من حفظ ما استُودع بين يديه من أعمال.

ونكاد نجزم بأنّ هذين الشّرطين هما الأساس الّذي يقوم عليه علم إدارة الموارد البشريّة، وقد أقرّ القرآن الكريم بهذين الشّرطين في قول ابنة شعيب له عن موسى:  ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين (سورة القصص، آية 26).

فإنّ أداء الوظيفة بكفاءة مع الافتقار إلى الأمانة لا يعني سوى انحراف العنصر الإنسانيّ في عمله، وكذلك توافر الأمانة مع غياب الكفاءة لا يعني سوى ضعف في المقدرة الفنّيّة والإداريّة عند هذا العنصر، وقد يترتب على ذلك نوع من الغيرة والحسد من موظّفين آخرين لديهم الكفاءة وفهم المهامّ المنوطة بعملهم أكثر من هذا العنصر الّذي يفتقد إلى الكفاءة، على الرّغم من أمانته الواضحة في أدائه عمله.

ومن هذا المنطلق، يمكن إدراك أنّ تحقيق المصارف إلإسلاميّة لأهدافها الّتي وضعتها منذ نشأتها، والمتمثّلة بشكل رئيس في الإسهام في تحقيق التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة في البلدان الإسلاميّة، بالتّزامن مع تحقيق الرّبحيّة، أنّ ذلك مرهون بمدى توافر الموارد البشريّة الملائمة والمؤهّلة شرعيًّا وفنِّيًّا لممارسة تلك المصارف لعملها.

إنّ النّشاط التّمويليّ والاستثماريّ والخدماتيّ في المصارف الإسلاميّة يعتمد اعتمادًا تامًا على المبادئ والقواعد الشّرعيّة المستمدة من فقه المعاملات الإسلاميّ كمنهج أساسيّ يرتكز عليه؛ لذا، فإنّ هناك ضوابط شرعيّة تحكم هذا النّشاط، وهذا يتطلّب بطبيعته ضرورة توافر العلم بهذه الضّوابط وفهمها لمن يقوم على تطبيقها (البرعي، 1995، ص 59).

وبناء عليه، تحتاج المصارف الإسلاميّة إلى موارد بشريّة قادرة على استقطاب المودعين وفهم طبيعة العلاقة الّتي تربط المودع بالمصرف الإسلاميّ. كما تتطلّب عمالة قادرة على تقديم الخدمة المصرفيّة بسرعة وجودة ملائمين، وفقًا لقواعد الشّريعة المنظّمة لذلك، إضافة إلى القدرة على توجيه الأموال للاستثمار وفق الصّيغ الشّرعيّة بأنواعها المتعدّدة، ووفق أولويّات المجتمع.

وهذا بدوره يتطلّب نوعيّة محدّدة من الموارد البشريّة، تمتلك القدرة على البحث عن الفرص الاستثماريّة المناسبة، ودراسة جدواها وتقويمها وتنفيذها، ومتابعتها في إطار هذه الضّوابط الشّرعيّة، وما سبق يعني ضرورة توافر عقول تتّصف بالمهارة والخبرة والابتكار لدى العاملين القائمين بالتّطبيق العمليّ لفكرة المصرفيّة الإسلاميّة، حتّى يتسنّى لهم الرّبط بين الواقع ومتغيّراته من ناحية، وبين فقه النّصّ الإسلاميّ من ناحية  أخرى (أبو زيد، 1996، ص 97).

أمّا الموارد البشريّة في المصارف الإسلاميّة، أو العناصر الإنسانيّة، فالمقصود بها مجموعة الأيدي العاملة في قطاع العمل المصرفيّ الإسلاميّ، بمختلف المستويات الأكاديميّة للعاملين. ويمكن تعريف إدارة الموارد البشريّة في المصرف الإسلاميّ، بأنّها العمل مع الآخرين، ومن خلالهم، لتحقيق أهداف المصرف الإسلاميّ، اعتمادًا على الاستخدام الأكثر فاعليّة للعناصر المتاحة، مع التّركيز على الفعاليّة والكفاءة.

ويمكن اشتقاق تعريف أكثر دقّة ووضوحًا للموارد البشريّة، بأنّها ممارسة نشاط يتمّ من خلاله الحصول على الأفراد اللازمين للعمل في المصرف الإسلاميّ من حيث الكمّ والكيف، لتحقيق أهداف المصرف الإسلاميّ وغاياته، فالموارد البشريّة في الصّيرفة الإسلاميّة يجب أن تجسد المعايير الشّرعيّة لهذه الصّيرفة (أرشيد، 2008، ص 499).

ويتوقّف نجاح العمل المصرفيّ على الموارد البشريّة العاملة فيه؛ ولقد وظّفت الصّيرفة الإسلاميّة عناصر بشرية ذات منهج فكريّ تربويّ، وهذا لا يتناسب مع التّوجه الإسلاميّ في العمل المصرفيّ، مما وضع هذه المصارف أمام إشكاليّة قويّة تتمثل في وجود قوى بشريّة غير مؤهّلة من النّاحيتين الشّرعيّة والمصرفيّة الإسلاميّة، بغضّ النّظر عن الكفاءة والأمانة في العمل المصرفيّ عمومًا.

وقد تطلب هذا الأمر من المصارف وقفة حاسمة لتحقيق هدف واضح لا حياد عنه، وهو قلب المعادلة؛ فبدلًا من الاعتماد على عناصر بشرية مؤهّلة لتطوير العمل، بات لزامًا عليها أن تؤدي الدّور الأكبر في التّطوير الإنسانيّ، عبر تدريب جديد مكثّف، يمكن أن نسمّيه إعادة برمجة لهذه العقول. ذلك أنّ العمل في المصارف الإسلاميّة يتسم بحساسية خاصّة في تجسيد تعاليم الإسلام الماليّة، ويتركز الاهتمام،  أكثر من غيره، على من يتولى إدارة العمل المصرفيّ، لا سيّما في مجال الاستثمار. إذ لا يمكن أن يوظّف لهذا العمل في المصرف الإسلاميّ، إلّا من يجمع بين التخصص الشّرعيّ والمصرفيّ معًا، يليهم في الأهمية  رؤوساء الأقسام ومديرو الدّوائر والفروع (مرار، 1983، ص 85).

هذا، ويمكن تحديد تخطيط إدارة الموارد البشريّة في المصارف الإسلاميّة، بأنّه: “عمليّة التّأكّد من توافر الكمّ اللازم، وبالنوعيّة الملائمة، من الموارد البشريّة الّتي تتناسب واحتياجات المصرف، وتقوم بالمهام المطلوبة منها من أعمال”، ويشمل التّخطيط وضع الأهداف والمعايير، ورسم السّياسات والإجراءات، والتّنبّؤ بالاحتياجات، وإعداد الموازنات، ووضع برامج العمل والجداول الزّمنيّة لتطبيق الخطّة المراد تنفيذها، إذ يُعدّ فنّا في التّعامل مع المستقبل، وتحقيق آماله وتطلعاته وفق ما هو ضروريّ وملحّ، لا أن نسير معه مثلما يسير بنا، وكذلك وضوح الهدف الأسمى للمصرف، فأيّ مصرف يسعى دائمًا إلى الاستمراريّة عبر تعظيم الرّبحيّة فيه، مع الالتزام بأحكام الحلال والحرام وقواعدهما. وقد اهتمّ التّشريع الإسلامي بالتّخطيط للمستقبل، كما يتجلى في قصّة نبيّ الله يوسف الصّدّيق، عليه السلام، في تعامله مع الأزمات والمجاعة (نوفل، 1989، ص 411).

ويُسهم التّخطيط للموارد البشريّة في الصّيرفة الإسلاميّة في تحديد مدى احتياج كلّ مصرف إلى العناصر الإنسانيّة خلال فترات زمنية مختلفة من جهة، واستقطاب هذه العناصر للعمل في المصرف من جهة أخرى، وذلك بهدف الإسهام في زيادة العائد على الاستثمار، وتحقيق المزيد من الأرباح، من خلال تحقيق أقصى إفادة من الموارد البشريّة الموجودة.

كما يبرز هذا التّخطيط مواطن الضّعف والقوّة، ما يسهم في تحديد دور المصرف في تحسين الأداء الوظيفيّ للعناصر الإنسانيّة، ثمّ إنّ التّخطيط بتحقيقه الأرباح، يعطي المصرف المقدرة على النّموّ الدّائم، وتطوير الكفاءة البشريّة، وتوجيه قدرات العناصر الإنسانيّة الخاصّة إلى العمل الجادّ، بما يحقّق التّخصيص الأمثل للموارد البشريّة في المصرف الإسلاميّ (شيحا، لا.ت، ص 156)

لكنّ قيام المصارف بدورها في عمليّة التّطوير الإنسانيّ يتأثر بجملة من المؤثّرات، منها ما هو  داخليّ، ومنها ما هو خارجي. فمن المؤثّرات الدّاخليّة: أهداف المصرف الإسلاميّ نفسه، إذ لا بدّ أوّلًا أن يحدد المصرف هذه الأهداف بدقة، سواء تعلقت بتلبية الاحتياجات الاقتصاديّة في مجال الخدمات المصرفيّة ذات البعد الاجتماعيّ، أم بالاستجابة للاحتياجات الاجتماعيّة في هذا المجال، من خلال أعمال التّمويل والاستثمار المنظّم، مع الالتزام التام بأصول الشّريعة الإسلاميّة، والابتعاد عن المعاملات الرّبويّة.

ومن المؤثّرات الدّاخليّة أيضًا: حجم عمل المصرف واتّساعه، والتّغيّرات التّنظيميّة الّتي يسعى إلى تحقيقها، بما في ذلك الحاجة إلى إضافة كفاءات بشريّة  تسهم في إنجاز تلك التّغيّرات، والعمل على تطوير هذه القوى البشريّة؛ لتكتسب صفات علميّة ومهنية محددة، تنسجم مع الدور المنوط بالمصرف الإسلاميّ في مجال التّطوير الإنسانيّ.

أمّا المؤثّرات الخارجيّة في تخطيط الموارد البشريّة، فتتّسم بالغنى والتّنوّع، ومن أبرزها المؤثّرات الاقتصاديّة المحيطة بالمصرف الإسلاميّ، مثل إجراءات البنك المركزيّ في الدولة، والسياسات الماليّة العامّة المتّبعة، وما لها من أثر مباشر بالغ في توفر العمالة للمصرف الإسلاميّ. كما يعد التطوّر التّقنيّ والتّكنولوجيّ عاملًا أساسيًا، إذ تتأثّر فاعليّة التخطيط بمدى قدرة المصرف الإسلاميّ على توظيف هذه الأدوات الحديثة، بما يسهم في استثمار الوقت على نحو أمثل وتحقيق أفضل النّتائج، وصولًا إلى الهدف الأسمى لكلّ مصرف، المتمثّل في زيادة الرّبحيّة (الهيتي، 1988، ص 596).

وبعد إنجاز عملية تخطيط الموارد البشريّة، ينبغي على المصرف الإسلاميّ أن يعمل على تنظيمها تنظيمًا دقيقًا، من خلال تصميم هيكل تنظيمي واضح للعمالة، يتضمن تحديد المسؤوليّات وتوزيعها، ورسم العلاقات بين الدوائر الإدارية، واختيار القيادات القادرة على تحقيق الأهداف العليا للمصرف.

فهذا التّنظيم يُعدّ تنسيقًا فعّالًا لجهود العناصر البشرية في سبيل تنفيذ السّياسات والأهداف المرسومة فيه، بمنتهى الجدارة، كما يركز على إعداد دليل وظيفي شامل، تحدّد فيه مواصفات كلّ وظيفة، والمهامّ المنطة بها، والشروط والمؤهلات الواجب توافرها في شاغلها. ويقابل القائد المنظّم، المدير أو الرّشيد، في الفكر الإسلاميّ (المغربي، 2004، ص 34).

– المغربي، عبد الحميد عبد الفتاح (2004)، الإدارة الاستراتيجية في المصارف الإسلامية، جدة، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب.

بناء على ما سبق، فإنّه بعد تحديد الهيكل التّنظيميّ للموارد البشريّة، وتخطيطه وتنظيمه، لا بد من مراعاة مبدأ التّسلسل في الهيكل التّنظيميّ في المصرف الإسلاميّ، ذلك أنّ فلسفة التّشريع قائمة على مبدأ التّدرّج في الأحكام، كما نلحظ في تدرّج تحريم الخمر مثلًا، حتّى الوصول إلى الحكم النّهائيّ القاطع في التّحريم، الّذي لا رجعة فيه.

ويُعدّ هذا التّدرّج في التّطوير الإنسانيّ داخل المصرف الإسلاميّ عاملًا مساعدًا على إتاحة المجال أمام بروز الكفاءات والمهارات الفرديّة، وتطوّر العناصر الإنسانيّة، مع الحفاظ في الوقت ذاته على تماسك الهيكل التّنظيميّ للمصرف الإسلاميّ (المصري، 1991، ص 28)، ولتحقيق هذا التّدرّج البنّاء، لا بد من وجود قائد إداريّ محترف، قادر على توجيه العمل المصرفيّ الإسلاميّ بكفاءة، مع تفعيل الرّقابة الشّديدة على تنفيذ العاملين متطلّبات العمل المصرفيّ الإسلاميّ، إذ إنّ التّوجيه له أهمّيّته المحوريّة في إدارة المصرف الإسلاميّ، وهو يتلخّص في الكيفيّة والأسلوب الإداريّ الّذي يستطيع من خلاله الرّئيس دفع مرؤوسيه للعمل بأقصى طاقاتهم، ضمن بيئة تنظيمية تلبي رغباتهم وتحقّق أهدافهم الوظيفية (كامل، 1994، ص 71).

يُعدّ التّدريب من أكثر الوسائل تأثيرًا في تحقيق تنمية العنصر الإنسانيّ العامل في المصرف الإسلاميّ، إذ يسهم في رفع مستوى الأداء من خلال صقل المهارات بالخبرة والمعرفة. فمن دون تحقّق عمليّة التّعليم لا يمكن تحقيق التّطوير الإنسانيّ، ولن يتمكن العنصر البشري من اكتساب الخبرات اللازمة لأداء العمل المصرفي ّبكفاءة.

لذلك، لا بدّ من تزامن التّعليم والتّدريب داخل المصرف الإسلاميّ بهدف تطوير الموارد البشرية، من خلال تزويدها بالمعارف والمعلومات المصرفيّة والفقهيّة ذات الصلة بالعمل المصرفيّ الإسلاميّ. ويؤدي هذا التطوير الإنساني إلى تكوين كفاءات قادرة على تسيير دفّة العمل المصرفي الإسلامي باقتدار، مما يقتضي وجود فئة خاصّة من العاملين مدرّبة على العمل المصرفيّ، من جهة، ومزوّدة بما يلزم من القواعد الشّرعيّة اللازمة، وناضجة بالنّسبة إلى الأهداف الاقتصاديّة للمجتمع الإسلاميّ، من جهة أخرى.

ولا يقتصر التّطوير الإنسانيّ على المصرف الإسلاميّ فحسب، بل حظي باهتمام واسع من قبلا المؤسّسات، والمؤتمرات، والنّدوات الدّوليّة، ومثال ذلك” ندوة دبي الدّوليّة”، الّتي عقدت على مدى ثلاثة أيّام متفرّقة في أوائل شهر أيلول/سبتمبر من عام 2005، تحت عنوان “ترشيد مسيرة المصارف الإسلاميّة”، وقد خرجت الندوة بعدد من التّوصيات، كان من أبرزها: “تبنّي إقامة أكاديميّات، وكلّيّات، ومعاهد، وأقسام علميّة تُعنى بدراسات الاقتصاد الإسلاميّ والمصارف الإسلاميّة، والعمل على تقديم برامج تدريبية للعاملين في المصارف الإسلاميّة على أحدث نظم الإدارة، إلى جانب غرس المفاهيم الإسلاميّة الأساسيّة للعقيدة في الشّريعة الإسلاميّة، وكيفيّة ممارستها عمليًّا”. (أبو غدة، 2005، ص 14).

ومن التوصيات المهمة أيضًا، التّوصية رقم (13) الصّادرة عن مؤتمر المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة، الذي انعقد في دبي، بتنظيم من جامعة الإمارات العربيّة المتّحدة، في منتصف شهر أيّار/ مايو من عام 2005، وقد نصّت على ما يأتي: “إنّ تنمية وتطوير الموارد البشريّة اللازمة للعمل في المصارف، والمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة المؤمنة برسالتها، والمزوّدة بالمعارف العلميّة والمهارات العمليّة، وبروح الابتكار والإبداع، ضرورة ملحّة في الوقت الحاضر، وتتطلّب تعاونًا وثيقًا مع الجامعات، ومراكز البحث والتّدريب”. (جامعة الإمارات، 2005).

أمّا المجلس العام للبنوك والمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة، فقد وضع خطّة مستقبليّة تهدف إلى إنشاء مركز اعتماد التّدريب الإسلاميّ، الذي ينطلق من رسالة تتمحور أوّلًا حول رفع المستوى المهنيّ للعاملين في الصّناعة الماليّة الإسلامية، وذلك من خلال التركيز على خمسة مجالات أساسيّة: احتياجات التّدريب، معايير تقديم الخدمة، جودة التّدريب، منح الاعتماد اللازم، ومراقبة ديمومة مستوى الخدمات المقدّمة، جامعًا هذه المجالات الرّئيسة في كلمة واحدة معبّرة، هي “أمجاد”، ما يدلّ على ما للتّطوير الإنسانيّ من أهمّيّة كبرى في نظر المصرف الإسلاميّ وأهدافه الأولى، وسعيه الدّائم إلى تحقيق أفضل العوائد على استثماراته في تطوير الموارد البشريّة.

وتُجمع الأهداف الأربعة الأولى في هدف جامع هو: الدّيمومة أو الاستمراريّة، الذي لا يتحقّق إلّا بوجود عناصر إنسانيّة مدرّبة ومطوّرة من جهة، قادرة على التّدريب بدورها وتطوير غيرها من جهة، ثمّ تتحقّق الدّيمومة أخيرًا، من خلال التّوثّق من مدى دقّة تطبيق المعايير، سواء لتجديد الاعتماد أو إلغائه، مع تكثيف الجهود لإحداث التّكامل بين مختلف الهيئات وتطوير العلاقة بينها (الحمود، 2002، ص 31).

من هنا، يتبيّن أنّ سعي المصرف الإسلاميّ إلى تطوير العنصر الإنسانيّ يعدّ من المرتكزات الرّئيسة لنجاح المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة، وأنّ مجالات هذا التطوير لا بد أن تشمل الجانب الفنّيّ للأعمال المصرفيّة التّقليديّة، بعيدًا عن المجالات الرّبويّة، بالإضافة إلى مراعاة الجانب الشّرعيّ وتحقيقه (أبو زيد، 2005، ص 18)، وكذلك تأصيل المعايير الأخلاقيّة، من بعدها تطوير الأدوات الّتي تزيد في قدرة الموظّف في المصرف الإسلاميّ على الرّبط والتّحليل، بين النّواحي المصرفيّة وأحكام المعاملات، من النّاحية الشّرعيّة (أرشيد، 2008، ص535).

وعمومًا، فإنّ للتّنمية الإسلاميّة رؤيتها الشّاملة، في الجوانب المتنوّعة، اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وعلى مستوى الفرد ومستوى الجماعة. وتعتمد التّنمية الإسلاميّة تطوير العنصر الإنساني هدفًا محوريًا وغاية نهائيّة،  وتشمل تحقيق مقاصد الشّريعة الإسلاميّة الخمسة: حفظ الدّين، والنّفس، والعقل، والنّسل، والمال، وهي المقاصد التي تنبع من عقيدة المسلم الّتي انطبعت في ذهنه. لذلك، ينبغي استثمار هذه الموارد البشرية  وتطوير قدراتها على النحو الأمثل، بما يُسهم في بناء مجتمع يتمتع بالقدرة والقوّة (المولى، 1985، ص 15).

فالتّطوير الإنسانيّ الإسلاميّ هو عملية مستمرة عبر العصور، وتوالي الأجيال، بما يتيح لكل جيل أن يتسّلم مجتمعًا أفضل من سابقه، أو مثله على الأقل، وتتخطّى التّنمية مفهومها المعتاد في الأذهان، فهي ليست تنمية الموارد فحسب، بل هي التّطوير الإنسانيّ بكلّ عناصره ومكوّناته، ما يمثّل جزءًا أساسيًّا في التّنمية الإسلاميّة (بن أحمد، 1995، ص 31).

وترتكز التّنمية الإسلاميّة على بعدين اثنين:

الأوّل: البعد الاجتماعيّ،  الذي يتضمّن تحديد معايير الحلال والحرام، إلى جانب عناصر أخرى تشكّل الإطار الأخلاقي والقيمي.

والثاني: البعد الاقتصادي، الذي يظهر جليًا في العمل المصرفيّ الإسلامي،ّ إذ يعتمد هذا العمل على التّطوير الإنسانيّ، بما يخرج الفرد من دائرة التّعامل الرّبويّ، إذ إنّه ليس النّظام الأمثل والمريح له كما يعتقد، بل هو أمر في صلب التّحريم، وبالتّالي هذا الفرد، بل هذه العناصر الإنسانيّة في مستقبلها، تتسلّم مصارف إسلاميّة صحيحة، لا مصارف تحمل اسم الإسلام فحسب، وتعتمد الرّبا بمصطلحات وضعيّة أخرى، فلا شكّ أنّ الإسلام بتحريمه القروض الرّبويّة، انطلق من مبدأ الأمر بالعمل والإنتاج؛ لتحقيق التّنمية الاقتصاديّة من جهة، ومن بعدها التّنمية الاجتماعيّة الماثلة في العدالة في توزيع ثمار النّموّ (الرفيعي وحسن وعبد، 2012، ص 31)، بالحلال بعيدًا عن المكتسبات المحرّمة الّتي تعتمدها المصارف التّقليديّة عادة.

الخاتمة

للمصارف عمومًا دور مهمّ ومؤثّر لا يمكن نكرانه، إذ إنّها تؤثّر على مسار الحياة الاقتصاديّة بأكملها، فالمصارف بالنّسبة إلى الاقتصاد، مثل القلب بالنّسبة إلى الجسم، نبضاته الّتي تأمر الدّم بالتّحرّك هي دليل على حياته، وكذلك حركة الأموال من المصارف في الاقتصاد، دليل على حياة هذا الاقتصاد، أو على ضعفه وتهالكه، بحسب ما تتقدّم المصارف وتتطوّر، أو تتأخّر عن مواكبة التّطوّرات الحضاريّة والإنسانيّة والتّكنولوجيّة.

ويبدو جليًّا الدور الريادي للمصارف الإسلاميّة في تحقيق أهداف الدّول الإسلاميّة على صعيد النهوض باقتصادها، وتحريك عجلة الاقتصاد التّنمويّة، بعيدًا عن السّياسات الماليّة الرّبويّة، وكلّما كان الجهاز المصرفيّ متناسقًا مع معتقدات الأمّة وخصوصيّة مجتمعاتها، كان مؤثّرًا إيجابيًّا في تحقيق الأهداف المرجوّة.

ولا شكّ في أنّ المصارف الإسلاميّة جزء لا يتجزّأ من النّظام الاقتصاديّ الإسلاميّ، وقد استطاعت خلال مسيرتها في العقود الأربعة الماضية، أن تثبت للعالم، مقدرتها على الصّمود والرّسوخ، وأنّها بأدائها المتميّز الواضح الصّادق، صناعة ماليّة نموذجيّة، يمكن الاقتداء بها في عمل المصارف في الدّول عامّة، والإسلاميّة منها خاصّة.

نتائج الدّراسة

ممّا توصّلت إليه هذه الدّراسة، النّتائج الآتية:

أوّلًا: ضرورة تمسّك المصارف الإسلاميّة بأحكام الشّريعة الإسلاميّة ومقاصدها، إذ إنّ تخلّيها عن ذلك ينفي عنها صفتها الإسلاميّة الفعليّة، ويجعلاها مجرد مؤسسات مصرفية تحمل الاسم فقط، من دون فرق حقيقيّ بينها وبين المصارف الرّبويّة.

ثانيًا: ضرورة تخطّي الوسائط والمحسوبيّات، وذلك بوضع العناصر الإنسانيّة المناسبة، في الأمكنة المناسبة لكلّ منها، وهذا ما ينعكس إيجابًا على تطوير هذه العناصر العمل المصرفيّ الإسلاميّ.

ثالثًا: كما تطوّر العناصر الإنسانيّة العمل المصرفيّ الإسلاميّ، لا بدّ من أن يسعى العمل المصرفيّ إلى الاضطلاع بدوره في تطوير هذه العناصر الإنسانيّة، لما لذلك من نتائج إيجابيّة ماثلة في الإفادة المتبادلة، وضمان استمرار النّشاط المصرفيّ الإسلاميّ استمرارًا صحيحًا.

رابعًا: من الصّعب إلى حدّ ما، الارتقاء بمستقبل النّظام المصرفيّ الإسلاميّ، في ظلّ القوانين والأنظمة المصرفيّة السّائدة، بل في ظلّ العقليّة الاجتماعيّة السّائدة في كثير من المجتمعات الإسلاميّة، حيث لا يجد أبناؤها حرجًا في التّعامل الرّبويّ المباشر مع المصارف التّقليديّة، بل ربّما يجدونه أكثر راحة ومناسبة لهم، على الرّغم من تحريمه.

خامسًا: وبالتّالي، الأساس الفقهيّ والنّظريّ للنّظام المصرفيّ الإسلاميّ، يستند إلى قواعد الشّريعة الإسلاميّة، ولو من دون تطبيقها تطبيقًا تامًّا، إذ ربّما نلحظ في بعض المصارف الإسلاميّة اعتماد النّظام الرّبويّ، بتغيير المصطلحات، فالزّيادة الرّبحيّة على القرض هي “تقسيط”، والفائدة الرّبويّة هي “أرباح”، وهكذا.

سادسًا: من دون التّنمية البشريّة، تنهار المصارف الإسلاميّة، فغياب الكوادر المؤهّلة الّتي تجمع بين الخبرة المصرفيّة والمعرفة الشّرعيّة، يعني انهيار النّظام المصرفيّ الإسلاميّ بالكامل، وتاليًا، كما تحتاج المصارف الإسلاميّة إلى أصحاب الخبرات، عليها أن تقدّم لكوادرها التّدريب اللازم بغية إكسابهم خبرات واسعة لا حدّ لها.

قائمة المصادر والمراجع

  1. بنأحمد، سعيد (1995)، المصارف الإسلامية قنوات شرعية للتنمية الحقيقية في المجتمع، دبي، مجلة الاقتصاد الإسلامي، العدد (169)، السنة الرابعة عشر.
  2. أرشيد،محمود (2008)، أسس اختيار القوى البشرية في الصيرفة الإسلامية، مجلة جامعة النجاح للأبحاث (العلوم الإنسانية)، مجلد (22)، عدد (2).
  3. البرعي،محمد عبد الله (1995)، الإدارة في الإسلام، ط1، منشورات المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب.
  4. جامعةالإمارات العربية المتحدة (2005)، توصيات المؤتمر العلمي السنوي الرابع عشر، المؤسسات المالية الإسلامية، معالم الواقع وآفاق المستقبل، بتاريخ 15-17/5/2005.
  5. جمالالدين، علي (1966)، عمليات المصارف من الوجهة القانونية، القاهرة، دار النهضة العربية.
  6. الحمود،تركي راجي (2002)، التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية في دولة قطر (دراسة ميدانية)، سلسلة دراسات إستراتيجية، دبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
  7. حمود،سامي حسن أحمد (1982)، تطور الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية، ط2، عمان، مطبعة الشرق.
  8. الحنفي،ابن عابدين (1966)، حاشية ابن عابدين، ج5، ط2، مصر، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
  9. رباح،غسان (2018)، المصارف الإسلامية واقع وتحديات (دراسة مقارنة)، ط1، بيروت، منشورات الحلبي الحقوقية.
  10. الرفاعي،فادي محمد (2007)، المصارف الإسلامية، بيروت، منشورات الحلبي الحقوقية.
  11. الرفيعي،افتخار محمد مناحي، وحسن، خميس محمد، وعبد، أحمد ياسين (2012)، المصارف الإسلامية ودورها في عملية التنمية الاقتصادية، بغداد، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية، العدد الحادي والثلاثون، جامعة بغداد.
  12. أبوزيد، محمد (2005)، المخاطر التي تواجه استثمارات المؤسسات المصرفية الإسلامية، الإمارات العربية المتحدة، دار الشارقة.
  13. أبوزيد، محمد عبد المنعم (1996)، الدور الاقتصادي للمصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، الأردن، المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
  14. شيحا،إبراهيم عبد العزيز (لا.ت)، أصول الإدارة العامة، الإسكندرية، منشأة المعارف.
  15. أبوغدة، عبد الستار (2005)، إعداد العاملين بالمصارف الإسلامية، ندوة ترشيد مسيرة المصارف الإسلامية، والتي عقدت في دبي للفترة من 3-5/9/2005.
  16. كامل،مصطفى (1994)، إدارة الموارد البشرية، القاهرة، الشركة العربية للنشر والتوزيع.
  17. مرار،فيصل فخري (1983)، الإدارة الأسس والنظريات والوظائف، عمان، دار مجدلاوي.
  18. المولى،نصر الدين فضل (1985)، المصارف الإسلامية (تحليل نظري ودراسة تطبيقية على مصرف إسلامي)، ط1، جدة، دار العلم.
  19. المصري،رفيق يونس (1991)، الجامع في أصول الربا، ط1، عمان، دار القلم والدار الشامية.
  20. نوفل،أحمد (1989)، تفسير سورة يوسف (دراسة تحليلية)، المملكة العربية السعودية، دار الفرقان.
  21. الهيتي،عبد الرزاق (1998)، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، ط1، عمان، دار أسامة.

 

حقوق النشر © محفوظة لمجلة الضاد الدولية – العدد السابع، حزيران 2025.
يُمنع إعادة نشر هذا البحث أو نسخه أو استخدامه لأغراض تجارية أو إعادة توزيعه كليًا أو جزئيًا بأي وسيلة، من دون إذنٍ رسمي وخطي من إدارة مجلة الضاد الدولية حصراً.

تنويه مهم:
يُسمح بالاستشهاد العلمي من هذا البحث، سواء بالنقل الحرفي القصير ضمن علامات تنصيص، أو بإعادة الصياغة،
وذلك ضمن الأطر الأكاديمية المعترف بها، وبشرط الالتزام الكامل بقواعد التوثيق العلمي وذكر المرجع بشكل صحيح
(اسم المؤلف، عنوان البحث، المجلة، العدد، تاريخ النشر، الصفحات).

إن الاستشهاد العلمي لا يُعدّ انتهاكًا للحقوق الفكرية، بل هو حق مشروع ضمن أخلاقيات البحث العلمي.

لأي استفسار أو طلب إذن رسمي لإعادة استخدام المحتوى، يُرجى التواصل مع إدارة المجلة عبر البريد الإلكتروني:
📩 Dhadinternationaljournal@gmail.com

الموقع الإلكتروني للمجلة: dhadinternationaljournal-hss.com

Loading

Scroll to Top